منذ اندلاع الأزمة السياسية العصيبة مطلع العام 2011م ووطننا اليمني يعيش في دوامة من الخلافات والصراعات والتناحرات نتيجة عدم توفر الثقة والمصداقية والإرادة الوطنية الصادقة لدى جميع أطراف العملية السياسية والأحزاب والتنظيمات السياسية في التعامل الجاد والمسئول مع مختلف القضايا الوطنية وتغليب المصلحة الوطنية العليا للوطن والشعب على دونها من المصالح الحزبية والشخصية الضيقة.. إضافة إلى فتح الأبواب على مصارعها للتدخلات الخارجية السافرة في الشؤون الداخلية وهو ما أدى إلى عدم التنفيذ الدقيق لبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وإنما تم التعامل معها بانتقائية فلم يتم الالتزام بالفترة الانتقالية ولم يتم تشكيل لجنة التفسير للمبادرة الخليجية في غضون خمسة عشر يوماً من دخول مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآلية تنفيذها حيز التنفيذ.. ولم يتم الالتزام بالمواعيد المزمنة المحددة لعقد مؤتمر الحوار الوطني وهو الأمر الذي أدى إلى استمرار تداعيات أزمة العام 2011م وخلق أزمات جديدة متلاحقة سياسية و اقتصادية وانفلات أمني غير مسبوق أدى إلى ازدياد الأعمال التخريبية للمنشآت النفطية والكهرباء وزيادة وتيرة العمليات الإرهابية وجرائم الاغتيالات والتي استهدفت بدرجة رئيسية منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية واندلاع المواجهات المسلحة في محافظات صعدة وعمران والجوف وصنعاء والبيضاء وأمانة العاصمة في ظل غياب كامل للدولة في القيام بواجباتها الدستورية والوطنية حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه يوم 21 سبتمبر العام الماضي 2014م ليتم في مساء نفس اليوم التوقيع على اتفاق السلم والشراكة الوطنية من قبل ممثلي جماعة أنصار الله وبقية أطراف العملية السياسية «المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه وتكتل أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤه» في دار الرئاسة برعاية الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بنعمر.. ليمثل هذا الاتفاق خارطة طريق للحفاظ على كيان الدولة والشروع في إنجاز المهام الوطنية للانتقال إلى اليمن الجديد المنشود القائم على الشراكة الوطنية ولكن انعدام الثقة بين الأطراف الموقعة على الاتفاق وعدم توفر الإرادة السياسية والمصداقية في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه أدى إلى مزيد من التأزيم وازداد المشهد ضبابية حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الأسبوع الماضي في العاصمة صنعاء من تطورات أدت إلى قيام رئيس الحكومة المهندس خالد محفوظ بحاح تقديم استقالته يوم الخميس الماضي لرئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي وبعدها بساعات قليلة قدم الرئيس هادي استقالته إلى البرلمان وهو ما زاد الأمور تعقيداً، فلأول مرة تصبح اليمن في تاريخها الحديث بلا رئيس جمهورية وحكومة ولولا لطف الله بالشعب اليمني لتفجرت الأوضاع في أرجاء البلاد ونحمدلله سبحانه وتعالى على ذلك والفرصة مازالت سانحة أمام أصحاب الحل والعقد من حكماء وعقلاء اليمن لإنقاذ البلاد من كارثة كبيرة لا سمح الله. عندما تم الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني الشامل تنفس اليمنيون الصعداء كون مخرجاته مثلت خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف لإخراج الوطن من دوامة الصراعات والأزمات الطاحنة والسير بخطى مدروسة نحو بناء اليمن الجديد وإقامة الدولة المدنية الحديثة التي يتحقق في ظلها العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية لجميع أبناء الشعب اليمني وكان من المفترض أن يتم وضع جدول زمني بمواعيد محددة لإنجاز مشروع الدستور الجديد ومناقشته وإنزاله إلى الشعب للاستفتاء عليه وتحديد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية بحيث لا يتجاوز ذلك سنة واحدة على الأكثر لكن لا يعلم إلا الله والعالمون بما يدور خلف الكواليس لماذا لم يتم ذلك وهو ما أدى إلى تعقيد الأمور وأن تصل إلى هذا المنعطف الخطير. نتمنى من كل الوطنيين الشرفاء من أبناء الشعب اليمني وفي مقدمتهم الحكماء والعقلاء وأصحاب الحل والعقد والرأي السديد من أصحاب الفضيلة العلماء والسياسيين -الحزبيين والمستقلين- والأكاديميين والمثقفين والبرلمانيين وأعضاء مجلس الشورى ومشائخ اليمن ووجهائها وقادة القوات المسلحة والأمن أن يضعوا المصلحة الوطنية العليا فوق كل المصالح الحزبية والشخصية فيعملوا على تدارك الأمور وعدم السماح بانهيار الدولة وتنفيذ المخطط التآمري لتقسيم الوطن اليمني إلى دويلات صغيرة كما يروج لذلك أصحاب المشاريع الصغيرة الذين لا يرون أبعد من أنوفهم.. فالوطن ووحدته وأمنه واستقراره وسيادته الوطنية وسلامة أراضيه أمانة في أعناق كل اليمنيين الشرفاء دون استثناء.