التسرب من الدراسة من أبرز المشكلات التي تؤشر لوجود اختلالات اجتماعية واقتصادية وسياسية لا يكاد يخلو منها مجتمع، وإن كانت تقل في بعضها و تظهر بجلاء في مجتمعات أخرى لتصبح ظاهرة ينبغي الوقوف على مسبباتها وعلاجها، ولعل الدول العربية ومنها اليمن من أكثر الدول التي توجد فيها هذه الظاهرة السلبية. ومع وجود شبه إجماع على المستوى العالمي على ضرورة حصول الإنسان على حقه من التعليم والقراءة والكتابة بما يمحو أميته ويوسع آفاقه ومداركه ليصبح مؤهلاً للتعامل مع مقتضيات المجتمع المعاصر... إلا أن حق الإنسان في التعليم يلازمه عزوف عن الالتحاق به، وفي أحيان كثيرة انقطاعات متتالية وغياب مستمر لطلاب المدارس وهو ما درج على تعريفه بالتسرب من الدراسة، تبعاً لعوامل ومسببات عديدة منها ما هو متصل ببيئة المدرسة ذاتها ومنها ما يتعلق بالبيئة الأسرية والاجتماعية للطالب، في حين أن عوامل أخرى لها علاقة بالطالب ذاته .. ولعل أبرز تلك المسببات: عدم توافر بيئة مدرسية ملائمة سواء في سوء تعامل المدرسين مع الطلاب أو الإيحاء السلبي لهم بعدم جدوى التعليم، وخلو المدرسة من الأنشطة الترفيهية والتثقيفية وافتقارها للأساليب الحديثة التي من شأنها ترغيب الطالب بالدراسة.. وهي أمور تجعل من المدرسة بيئة طاردة عوضاً عن أن تكون ملائمة للتعليم ، ليزداد الحال سوءاً عندما تصبح الأسرة والمجتمع كلاهما بيئة معيقة أمام حق الإنسان في العلم إما بسبب افتقار الأسرة والمجتمع للوعي بأهمية العلم، أو نتيجة لوفاة أحد الأبوين ما يحتم على الطالب او الطفل ذكراً كان أم أنثى ترك المدرسة للعمل بهدف إعانة أسرته اقتصادياً أو بقاء الفتاة في بيتها للمساعدة في الأعمال المنزلية، فيما يشكل المجتمع بثقافته التقليدية السلبية عاملاً مضافاً معيقاً للتعليم.. واليمن يقدم نموذجاً اضافياً لتلك الثقافة السلبية حيث لا يزال المجتمع ينظر بسلبية إلى تعليم الفتاة بشكل خاص ولا يتعدى حظ الفتاة من التعليم في كثير من المناطق سنوات معدودة تقتصر على المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة ثم يتم إخراجها من المدرسة وتزويجها في سن مبكرة وهي لم تزل طفلة مع ما للأمر من تبعات سلبية صحية واجتماعية .... يضاف الى كل ذلك، فإن افتقار المجتمع لفلسفة تربوية يتحدد على ضوئها الغاية المثلى من التعليم، يجعل المجتمع يربط خطأ بين التعليم والحصول على الوظيفة، بما يناقض الهدف العام من التعليم في كونه أداة المجتمع لتحقيق النهوض والتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الشاملة، وليس مجرد درباً سالكاً لنيل وظيفة بائسة، إذا ما انعدمت أصبح التسرب من التعليم مبرراً كافياً عند كثير من الأفراد. إن تأثيرات تسرب الطلاب من المدرسة وعزوفهم عن العلم يفتح الباب أمام شرور لا حصر لها، وتنعكس سلباً على التنمية الشاملة في المجتمع، وتعمد إلى إهدار موارده البشرية، فضلاً عن أن التحاق الطفل بالعمل في سن مبكرة يجعله عرضة للاستغلال وينجم عن ذلك سلبيات اجتماعية وأخلاقية.. ما يضاعف الحاجة إلى معالجة تلك الاختلالات ببرامج شاملة تأخذ بالاعتبار تقديم الدعم المادي للأسر الفقيرة لتشجيع أبنائها على الالتحاق بالتعليم والقيام بحملات تثقيفية لتعزيز النظرة الايجابية للتعليم في كونه عماد التنمية وأداتها، وتغيير المنظومة الثقافية المناهضة لتعليم الفتاة، إلى جانب ضرورة التخطيط العلمي السليم للعملية التربوية برمتها، بما يجعلها لصيقة الصلة باحتياجات المجتمع وتخدم الهدف العام لسيرورة المجتمع وتطوره. [email protected]