المتتابعات لأحداث وإحداثيات المشهد السياسي اليمني وتجلياتها يوماً عن يوم ولحظة بلحظة تصيب المراقب بالنكسة الإبداعية والتخيلية لديه وتطرحه أرضاً ؛ «عاليها سافلها» ما بين الإغماء بحد ذاته والإغماء الفكري لما وراء مشاهداته ومتابعاته الدراماتيكية اليومية لهذا المشهد بفسيولوجيته المعقدة وإفرازاته ومفاجأته المبهرة والمتقلبة وحاملاتها في التناقضات الغرائبية، وكأنك في مشاهدة داخل «حلبة مصارعة» استعراضية على اللقب أو حقيبة عقد المصرف «المعلقة» في أعلى الحلبة. والفرق هنا ما بين حلبة المصارعة أن الحكم فيها يأتي في «الأخير» ليرفع يد الفائز، بينما في حلبتنا الحكم متواجد قبيل وأثناء «اللعبة»، ولكنه يتلاعب في مجرياتها، ولا يود إنهاء اللقاء والنزال «لأغراض في نفسه» ونفسيات الآخرين من خلفه ومن حوله، وحفاظاً على مصالحه كالمعتاد. وهذا ما يحدث اليوم؛ سجالات ونزالات ومشاهدات مشهدنا اليمني والعربي المبكي والمضحك، والاتفاقات والاختلافات وخلفياتها، ولا يفهم ذلك غير «القارئ الحصيف» للأحداث، أما الإنسان البسيط فإنه يظل على أعصابه شاخصاً، يداً على «قلبه» ويداً على رأسه من هول القلق ووجع الدماغ والخوف من المستقبل المجهول في عتمة ما يختلج في أروقة ودهاليز الساسة ولعبهم «الغامضة» دوماً، مما أوجد فجوة عميقة وجفافاً من الثقة وجفاءً بين هؤلاء السياسيين والقادة ورعيتهم. وبهذا يضطر السياسيون أنفسهم إلى اللجوء إلى استعارة واستعمال لعب وفبركات مغايرة لإغواء الناس والعامة تارة، وتارة لإقلاقهم وتخويفهم بالفاجعات وكذا وكذا من المسميات والسيناريوهات التي نراها ونسمعها وغيرها من «الفزاعات»؛ وذلك للاستمرار بالتواجد في المشهد بعيداً عن رغبة المواطن وثقته صعبة المنال، كما يراها ويعتقدها هؤلاء الساسة اليوم. ومع هذا فإن استخدام هذه «الحِيل» لم يعد وارداً ومنتهياً صلاحياتها وزمانياتها؛ فالشيء الممكن بحثه والعمل عليه هو كيفية إعادة الثقة بين أولئك السياسيين وهؤلاء الرعية وسبل ريها واخضرارها وقطف ثمارها بكل بساطة وحرية، وكما يفعل الآخرون في العالم المتحضر يصعدوا إلى كراسي السلطة ويؤدوا عملهم وواجبهم كحكام، فإذا أحسنوا التصرف زادت شيئاً ما ثقة الموطنين، وإذا أخفقوا بقصد أو بغيره تسحب تلك الثقة فيعودوا أدراجهم وبكل لطف واحترام ودون أن ينقص من رأسهم شعرة، ودون أي تملص أو تقليص أو تقلص بين هذا وذاك، ويتفاخرون ويتباهون بديمقراطيتهم،«وما فيش» عندهم «حاجة» اسمها أغلبيات ساحقة ماحقة.. أو أقليات «مسحوقة» وما فيش كمان حاجة اسمها حقنا أو «بيضتي وإلا الديك».. أو نحن أكثر منكم وأنتم أقل منّا. وكان يكفي درساً للجميع أن الرسول صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار...إلخ، بينما نحن في اليمن أضحى وضعنا مخيباً للآمال ومشاهداً للتندر والفرجة بين الاتفاقات وإنقاضها وقائماً وقاعداً بين الاعتلالات والاحتمالات وأخواتها، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يُراد بعد من كل هذا «الخبيط والتخبط؟» هذا يقرر وهذا يطرح وهذا يجمع وآخر يُصرح وغيره يشجب ويندد وآخر يرفض، وإلى متى سيظل هذا «التوهان» والتتويه والتشويه لكل ما هو جميل والمرجوات لهذا الوطن وأبنائه، ومازال أيضاً نفس التحاور والتنافر؟. طيب ومن باب الحلول المؤقتة وانتقالياتها «استوردوا» كذا نفر ونوع لهذا الغرض من الصين أو اليابان!! وحلوا الإشكال وخلصونا.. من هذا العبث. لحظة شعرية: هاجسي أنت يا وطني. وترى أنت ألحاني حروفي كلماتي.. حُرة همساتي.. كلها أنت.. ولك أنت مثل كل مَرة..؟!