أكيد كانت ستكون هكذا، وربما كانت ونحن نجهل هذا، فمن يعلم ما بين العبد وربه، إلا ربّ الأرباب وحده، الذي يخص برحمته من يشاء. فما وصل إليه حال الناس من التعدّي على حرمات الله، وظلم بعضهم بعضاً، وقتلهم للنفس المحرمة بغير وجه حق، وإضاعتهم لآدميتهم وإنسانيتهم ودينهم، وكل ذلك للأسف تحت مسمّى الدين والتوحيد. دين الله البريء من كل هذا العنف والقتل والوحشية والدمار، دين الإسلام والمحبة والتعايش والوئام، الذي علّمنا حتى كيف نأكل ونشرب ونتحرّك، كيف نقتسم اللقمة مع الفقير، والوجع والألم مع المريض، والابتسامة مع السعيد ووووو.. أيعقل أنه من أمر بإحراق الناس أحياء، من أمر بسلخهم قبل ذبحهم؟، وهذا مالا يحصل حتى مع الحيوانات، لكن البشر أحلّوه مع بعضهم، وبعد كل هذا نتعجب كيف ينزل بنا ما ينزل من عقاب الله، الذي لم ينزله بعد، لأنه يمهلنا فقط، ووحده من يحدد اللحظة التي سيسترد فيها كل شيء، ويعود العدل والسلام والإنسانية، يوم تجتمع الخلائق للحساب والعقاب، ويخجل منا رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو منتظر رؤيتنا، ليشفع لنا على ماذا وماذا..؟!! قلب أم معاذ، وقلب زوجته وطفلته احترق ويحترق وسيحترق حتى تقوم الساعة، فما الذي فعله لتكون نهايته هذه..؟! ربما كانت هذه رغبته أن يرحل لربّه شهيداً بصورة يُعلم فيها الناس معنى التضحية والشهادة، والرحيل بشرف عن دنيا لا تستحق أمثاله، ورحيله المبكر مكافأة من ربه له، وإن كان ثمنه احتراق قلوبنا جميعاً حتى تقوم الساعة، التي دنت علاماتها، ولم يتبق منها إلا العلامات الكبرى فقط. إن تلك النار التي التهمت جسده قطعة قطعة، على مرأى من العالم، وهو يتلوّى ويتلاشى ويذوب شيئاً فشيئاً، ربما بأمر من رب العالمين كانت عليه برداً وسلاماً، وإن لم تكن كذلك حتى آخر لحظة تنفس فيها، إلا أنها لابد كائنة كذلك بعد رحيل روحه للملأ الأعلى، لكنها ستظل متقدة في قلوبنا وعقولنا، وكذلك أولادنا وحتى أحفاد أحفادنا، فقد ورث لهم تاريخ تليد من الوحشية والعنف والرعب والخوف والدمار، ستبقى نيرانه متقدة ومتوارثة، على دين أضعناه، ودنيا كذلك، فتبنا كفقراء اليهود لا حول لنا ولا قوة، ليس في بلادنا فحسب، بل في كل بلدان العالم العربي، الذي ضاع فيها كل شيء، حتى الدين الذي ولدنا عليه، لكن نحن بجشعنا وطمعنا وحبّنا للدنيا، أحرقنا كل شيء، حتى أملنا بغد أفضل. فأيّ لهب هذا، وأي وجع خطف النوم من أعيننا، وكيف لنا أن نخمده، ونحن بما نفعله نزيد جذوته كل يوم، كل يوم، معاذ أنت بالبرد والسلام، ونحن سنبقى النار والظلام.