السلام عليكم .. السلام عليكم يا محمد، يقولها سعيد بشغف، ويزيد مرة ثالثة السلام عليكم يا محمد أخي. يمكن للحجر أن يتفجر فينطق، لكن محمد لا يرد وربما لو رد سيرد: لا سلام ولا كلام، ومعه سب وشتم سعيد، أقسم بأن لا يكلم أخاه ولا يزوره ولا يسلم عليه بينما محمد حريص على التواصل، في المرة الأخيرة كان يكلم أخاه بحزن.. أخي سعيد أنا «حميسك» الإنسان بضاعة موت وأنت أخي مش غريب ما فيش بيننا حاجة .. لكن سعيد كان يرى أن الصواب هو المقاطعة، وكان يرى في هذا تعذيباً نفسياً لأخيه محمد، خاصة عندما كان يراه حريصاً ويتألم للمقاطعة، لقد كان محمد خاصة في الآونة الأخيرة كمن يستجدي أخاه ليرد عليه السلام وينهي مقاطعته، ذكّره بأن المقاطعة لا تجوز فوق ثلاثة أيام لمسلم، ما بالك وأنت أخي ابن أبي وأمي دون جدوى فقد كان سعيد كل يوم يتلذذ بالمقاطعة ومتابعة عناده حتى عُرف بالقرية كلها بهذا الموقف الذي لا مبرر ظاهر له وكلما كان الناس يقولون لسعيد إيش بينك وبين أخيك، واسعيد كان يقول: «خلونه أكه مو أقلكم خلاص أح لا داخل أنتم ماتدروش واللي مايدريش يقل بلاسي». في صباح ذات يوم صاح صوت من بيت: لقد مات محمد «محمد الطويل».. نزل الخبر كالصاعقة على أخيه «سعيد» نسي كل الجفاء، أفلت ما بين يديه وذهب يشق الصفوف إلى بيت أخيه محمد الذي لم يدخله منذ تشاجرا قبل سنوات وهو يلهث «ووووأخي وامحمد كما شتموت» لكنه كان جثة هامدة، أقبل بكل جسده عليه يقبله ويصيح سامحنا واخي وامحمد سامحنا وامحمد وامحمد.. لم يجبه محمد!!. لقد شعر سعيد كيف يكون الإعراض مؤلماً وكيف كان لا يجيب أخاه حياً وعمداً، اليوم يريد منه أن يعيد السلام عليه، أن يسمعه كلمة تهزه ليرد عليه السلام .. ضاقت الدنيا وهجم الحزن، لقد شعر بالفاجعة التي كان يفعلها في حق أخيه وحق نفسه، وبدأت كلمة أخيه محمد تتردد «واسعيد أخي كما نحنا بضاعة موت». اقترب من سعيد أحدهم قائلاً: مو كان بينك وبين «أخوك» يا سعيد .. لأول مرة يتحدث ويجيب بوضوح «ما بيننا حاجة.. الشيطان كان راكب رأسي» الله لاسامح من كان السبب، الله لا سامحك يا فاطمة ولاسامحك يا أحمد سعيد. لقد حمّل سعيد زوجته وجاره أحمد سعيد اللذين كانا يزينان له المقاطعة أو هكذا حاول أن يبرر لنفسه، لقد تحولت القطيعة إلى عذاب وزوجته إلى خصم. كان سعيد يحضر المسجد كل صلاة، وكان كثيراً مايسمع خطيب الجمعة وهو يردد وصية الرسول صلى الله عليه وسلم «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام» لقد كان يداوم على الجمعة ويسمع كما تسمع القبور للأسف.. وجمعتكم مباركة. [email protected]