مؤلم فعلاً أن تكون كل المسميات في بلادنا هكذا.. مجرد مسميات فقط، خالية من كل شيء غير العناوين فقط، التي لا مضمون لها ولا مصداقية ولا حتى حقيقة تربطها بواقعنا، الذي ندفع فيه الثمن لكل شيء وحدنا، حتى لهذه المسميات الجوفاء، التي تذهب أيامنا ودماءنا سدى، ليعيش أصحابها. الثوار الحقيقيون وحدهم هم من طارت رقابهم في الشمال ضد الإمامة، وفي الجنوب ضد الاستعمار البريطاني، وغيرهم لا أحد، وليت ما فعلوه أجدى بشيء، أكثر من ستين عاماً مرت، ونحن نبني طوبة ونهدم جبالاً من تأريخنا ومجدنا وتضحية أبائنا وأجدادنا، لنتعلم ونرتقي ونصبح بشراً كباقي البشر في كل أنحاء العالم، لكن للأسف دون جدوى.. لو عادت بهم الأيام للوراء، ولو عاشوا ليروا ما فعلنا، لما فكروا بكل تلك التضحيات، التي كانت نهايتها هذا الحال الذي وصلنا إليه من قتلنا لبعضنا بعضا، وقيامنا بكل مالا يرضاه دين أو عرف أو حتى أخلاق، ربما لشعروا بحسرة وتراجعوا عن فكرة قيامهم بثورة على الظلام والكهنوت والفقر والجهل والعزلة، وبعد كل ذلك عاد كل شيء لأسوأ مما كان.. ثورات تحمل شعارات وأحلام يقظة تصل لتحرير فلسطين، ومحاربة الفساد، وتحرير حتى معتقلي جونتنامو، ومسلمي بورما، وإعادة الحج بالسفر على الجمال، والنساء لعصر الرسول صلى الله عليه وسلم.. قد تكون أفكاراً ثورية حقيقية، وشعارات وتحركات ومبادئ وقيم، لكن أين الثوار الحقيقيون لهذه الثورات، ليحققوا من كل هذه القيم والمبادئ ما يسعون لتحقيقه، لا أحد منهم، لا أحد، لأنه في نهاية المطاف تتحول تلك المبادئ والشعارات لمجرد أصوات وحروف تكتب على ورق لا أكثر ولا أقل، كأن هذه الثورات فقدت ثوارها، وفقدت حتى مصداقيتها بمن يحملون قضيتها. لأن كل هذا ينقلب علينا فيما بعد، وتتحول الثورة لمجرد «بورة» كما يقول الشارع والعامة، تتحول لثورات على بعضنا البعض، نبرر بها ما نفعله ببعضنا من قتل وسلب ونهب وظلم وضياع، وكل ذلك لنحقق للوطن العدالة الاجتماعية والسلام، وتكافؤ الفرص والنظام ومكافحة الفساد والقضاء عليه، والدفاع عن المظلومين والفقراء، ورد الحقوق لأصحابها وووووو. وبالأخير «كأنك يابو زيد ما غزيت»، وكل يدعي حباً لليلى وليلى لا تقر لهم بهذا، وتتحول كل تلك المزاعم والمسرحيات والبطولات لمجرد وسائل لتعبئة الأرصدة وبناء الفلل والسفر لأوروبا، وتعود الثورة لوحدتها بلا ثوار، ولا حتى البقاء على نقاء ومصداقية وسمو تأريخها واسمها فدعوها بسلام.