من الأساليب الحكيمة التي استعملها القرآن الكريم في الدعوة إلى الحوار أو إلى اعتناق الحق واتباعه، وفي الأمر بالعبادات التي كلّفنا الله تعالى بها وبالمحافظة عليها بإخلاص هي إيراد قصص الأنبياء مع أقوامهم، وكيف أن هؤلاء الأنبياء قد داوموا على نصيحة آبائهم وأولادهم وعشيرتهم مع أقوامهم، وكيف أن هؤلاء الأنبياء قد داوموا على ذلك بصبر وثبات وحكمة وموعظة حسنة، فجعل الله سبحانه وتعالى العاقبة لهؤلاء الرسل الكرام ورزقهم الله سبحانه وتعالى الذرية الصالحة والسعادة التامة والحياة الطيبة. وليس أدل على ذلك من القصص الحكيمة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم من قصة خليل الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في حواره مع أبيه أو مع عمه “آزر”، لأن الرواة والمفسرين اختلفوا هل هو أبوه أو عمه على أي حال ليس هذا هو بيت القصيد في حديثنا إنما هدفنا هو بيان أن الحوار في الإسلام هكذا ينبغي أن يكون حتى ولو كان مع الأعداء والمشركين. ذلك الحوار الذي فيه ما فيه من الآداب العالية ومن الحكم السامية، ومن العظات البليغة، هذا الحوار الذي ينبغي على كل من يتصدى للعمل الدعوي في الإسلام أن يقف أمامه طويلاً وأن يتعلم منه الكثير والكثير حتى يكون بحق داعية مسلماً. والقرآن الكريم يسجّل بل وإن أردت الدقة فقل إن القرآن أراد بهذه الآيات الكريمة تخليداً لهذا الحوار البنّاء الذي لا يهدف المحاور من ورائه إقحام الطرف الثاني ولا تسفيه آرائه لا الحط من أفكاره، وإنما لا يهدف المحاور المسلم من حواره إلا إلى تنويره بالحق ومساعدته في الوصول إلى الطريق المستقيم، والأخذ بيده إلى طريق الخير والرشاد والصلاح، هكذا فعل خليل الله إبراهيم عليه السلام مع عمه، إذ يسجل القرآن الكريم هذا الحوار البنّاء البعيد عن الجدال أو ما يسمونه بالمناقشة البيزنطية. فيقول ربّ العزة سبحانه وتعالى في سورة مريم: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً “41”، إذ قال لأبيه يا أبتي لم تعبد مالا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنك شيئاً “42”، يا أبت إني قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً “43”، يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمان عصياً “44”، يا أبت إني أخاف أن يمسّك عذاب من الرحمان فتكون للشيطان ولياً “45”، قال أراغب أنت عن ءالهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً “46”، قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً “47”، وأعتزلكم وما تدعون من دون الله، وأدعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً “48”).. إلى آخر الآيات الكريمة من السورة الكريمة. مما سبق يتضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الحوار في الإسلام له آداب، وأن الدعوة إلى الله لها ضوابط، وهذه الضوابط لا تتوافر للكثيرين، فعلى من أراد الدعوة أن يتعلّم من هدي الإسلام. عضو البعثة الأزهرية في اليمن