إن الإسلام دين الأمن والأمان، وهو دائماً يدعو إلى ترسيخ قواعد الأمن والأمان، لأن الله الذي خلق البشر تفضل على عباده بنعمتين عظيمتين، حيث أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، ورزقهم الطيبات وآمنهم من الخوف، فلقد قال الله عزّ وجل: {فليعبدوا ربّ هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف}. هذه دعوة الله تعالى لعباده، والمجتمع الإسلامي مجتمع الأمن والسلام، ولذلك من يعيش بين المسلمين في هذا المجتمع كان من الضروري أن ينعم بهذا الأمان والسلام، ولعل الإسلام هو الدين الذي عنى عناية فائقة بالدعوة إلى الإسلام وجعلها دعامته الأولى، وجعل السلام من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته:. «هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام». وجعل السلام تحية إلى عباده، وتحية بعضهم بعضاً “السلام عليكم”، وسميت الجنة دار السلام: “لهم دار السلام عند ربهم”، ولقد دعا الإسلام إلى الأمن والسلام على غير المسلمين وقرّر حماية المسلمين لغيرهم ممن يعيشون معهم من الظلم والبطش. كما أوجب على حاكم المسلمين حفظ أهل الذمة ومنع من يؤذيهم، وفك أسرهم ودفع من قصدهم بأذى، مصداقاً لقول الرسول محمد “ص”: “من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة”. وقد عهد النبي “ص” لنصارى نجران ألا يؤخذ منهم رجل بظلم، وقال “ص”: “من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد في مسيرة أربعين عاماً”. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: «إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا». وأقرّ كثير في فقهاء المسلمين أن المسلم يُقتل إذا قتل غير المسلم المعاهد، بل واتفق المسلمون في جميع المذاهب والأقطار والعصور أن غير المسلمين لهم حق الملكية الخاصة وأموالهم معصومة وهم في حماية المجتمع المسلم بجميع مؤسساته، والتاريخ الإسلامي شاهد على ذلك، ففي معاهدة النبي “ص” لأهل نجران: “ولنجران وحاشيتهم جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملّتهم وأرضهم، وأموالهم، ونجاشهم وشاهدهم، وبيعهم وصلواتهم”.. إلى أن قال: «وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير». وهكذا صان الإسلام وعصم دماءهم وأموالهم بل وأعراضهم، “فمن اعتدى على غير المسلمين، ولو بكلمة سوء أو غيبة فقد ضيّع ذمة الله وذمة رسوله “ص”، وذمة دين الإسلام، وهذا كلام بعض فقهاء الشريعة الإسلامية، لأنه بعقد الذمة وجب له مالنا بل ظلمه، أي الذمي أشد من ظلم المسلم نفسه، وبهذا يسنّ الإسلام أعدل القوانين في التعايش مع الآخر والتعامل معه، أولم يكن هذا أمراً نظرياً لم يُطبّق على أرض الواقع، كما هي أغلب المواثيق الدولية التي تنادى بحقوق الإنسان ولا تُطبق، وسجّل التاريخ، وشهدت الأحداث أن الناس شعروا بكرامتهم وإنسانيتهم في ظل الإسلام، حتى أن لطمة يلطمها أحدهم بغير حق يستنكرها ويستقبحها، وقد كانت تقع آلاف من هذه الحوادث وأكبر منها في عهود قبل الإسلام لا يحرك بها أحد رأياً، ولكن شعور المرء بحقه وكرامته في كنف الإسلام جعل المظلوم يركب المصاعب والمشاق أو يتجشّم وعثاء السفر الطويل من مصر إلى المدينة، كما حدث في قصة القبطي الشهيرة مع عمر بن عاص حاكم مصر آنذاك، لأنه واثق أن حقه لن يضيع، وأن شكواه ستجد آذاناً صاغية من أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، وبالفعل كان هذا هو العدل حقاً، وهذا هو الإسلام حقاً الذي يرسي بذلك قواعد الأمن والأمان والسلام حتى يأمن الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم وسائر حياتهم فيتعايشون في أمان وسلام مسلمين وآخرين نسأل الله تعالى أن يرزقنا نعمة الأمن والأمان والسلام.. اللهم أمين. عضو البعثة الأزهرية