ليس هناك من وصية في هذه الظروف ومن قبلها ومن بعدها أكثر من ضرورة الحوار.. الحوار وحدة بين شركاء هذا الوطن بعيداً عن الصراعات والحروب والاستقواء بالخارج واستدعائه من كل الأطراف التي ترى في ذلك الأمر ترجيحاً لكفتها في صراع هو في الأساس ليس خياراً وطنياً ولا خياراً عاقلاً. لطالما نصح الناصحون الصادقون العاقلون وقالوا: تحاوروا اليوم أحسن وأفضل من حوار يأتي بعد الحروب والدماء والدمار والخراب. تحاوروا اليوم ولم يزل الوطن وأهله بخير، ولم تزل النفوس أطيب وأنظف وإن كان ثمة خلاف في أشياء كثيرة، غير أن التقارب ممكن. تحاوروا فهذا سبيل الحكماء والعقلاء على مر التاريخ. مهما حصل لا خيار سوى العودة إلى طاولة الحوار.. اليوم أحسن من غدٍ، مثلما كان الحوار بالأمس أفضل من اليوم.. فقط لا يجب أن نصل إلى اليوم الذي لا ينفع فيه الحوار، ولم يعد هناك ما نتحاور عليه.. لا يجب أن نصل إلى مرحلة البكاء على الأطلال بسبب العناد الحاضر الآن بصحبة شياطين الفتنة والخراب.. الشياطين التي ترقص طرباً كلما اتسعت فجوة الخلاف، وتناثرت الأشلاء ، وارتفعت أكوام الخراب في القرى والمدن. هذا الوطن لا يستحق أن نوصله إلى مرحلة الخراب التام ولا أقل من ذلك.. لكن الإصرار على إغلاق أبواب التفاهم والحوار هو السبب الرئيس في كل ما آلت إليه الأوضاع التي نراها فنعتصر ألماً وحزناً. سيزداد البؤس وتتعاظم الخسائر مع كل كلمة ترفض للحوار حتى نصل إلى مرحلة العجز عن دفع فاتورة العناد من ناحية، والارتهان في المواقف والسياسات من ناحية اُخرى. قلنا غير مرة إن العالم سيترككم تتقاتلون وهو ينظر، ومن سيتدخل لن يكون إلا من أجل مصلحة هو يعلم ماهي، والكثير من يعلم ذلك، لكن الحديث الآن في أولوياته وأهميته يجب أن ينصب في جانب تنشيط الوعي بضرورة تدارك آخر الفُرص الممكنة لتفادي ما هو أسوأ مما يحدث الآن، والسبيل الوحيد هو أن يتحاور شركاء الوطن والمصير من أجل الخروج من دوامة الخلاف التي فتحت أبواب الشرور على الناس جميعاً. مهما تكن الخسارة على طاولة الحوار فإنها لن تكون أفدح من خسارة في ساحات المعارك والاقتتال وما ينجم عن ذلك من تدخلات مهما بدت للبعض أنها لمصلحته. الآن وأنا أكتب هذه السطور أسمع ما لا يسر ، أسمع ما يبعث على الحزن والأسى والألم، صوت مضادات الطيران، وكنا نستطيع بحواراتنا تفادي هذا الأمر لو أحسنّا الاستماع لصوت العقل واستمعنا لبعضنا بهدوء ومنطق لا يعترف بالإقصاء والتهميش. ولو كنا فكرنا بحلول وطنية لا تستدعي أي تدخل. لكن ما حصل في الماضي من انسداد لآفاق الحوار والذي يبدو أنه كان مفتعلاً ، أو عن قلة وعي بالعواقب وعدم قبول بالآخر. هناك كلام كثير في هذا الجانب ليس هذا وقته طالما كان الهدف هنا الدعوة للعودة إلى لغة الحوار لتفادي ما يبدو أنه كارثة بكل المقاييس، ولذلك نؤكد أن الحوار اليوم أفضل من وقت لاحق، وعلى الجميع النزول من على صهوات العناد وسياسة عدم التراجع، فالتاريخ يراقب كل شيء وسيكتب حصة كل طرف شارك في الحرب والخراب ومسئولية كل طرف عما فعل!! [email protected]