أكاد أن أجزم أن الشعب اليمني هو الشعب الأكثر جدلاً والأكثر اختلافاً بين شعوب العالم؛ حتى إننا لا نتوحّد في رأي واحد وإن كنّا نعيش أصعب اللحظات ونتقاسم الحزن والخوف والألم وتُراق دماؤنا من أصحاب المصالح في الداخل والخارج. هناك طرفان متناقضان؛ الأول مؤيد ل«عاصفة الحزم» وهذا الطرف له وجهة نظر تتلخّص في أن لا ضير من تدخُّل عربي و دولي لوقف صراع مذهبي بات مخيفاً؛ ولا سيما بعد حادثتي مسجدي بدر والحشوش، وهذا الفريق يرى أن قوات التحالف من شأنها أن تنهي حركة عبثت بكل همجية بمؤسسات الدولة وخاضت حروباً مع الدولة نهبت على إثرها أسلحة الجيش وسيطرت على الألوية. أصحاب هذا الفريق غالباً ما يكونون من الأشخاص الذين تعرّضوا لإهانات من قبل القادمين الجدد وفجّرت منازلهم ومساجدهم، وبالمناسبة يجب الإشارة إلى أن الحوثيين هم أول من أدخل المساجد في الصراع السياسي القائم، وما كان تفجير مسجدي بدر والحشوش إلا بعد أن قام الحوثيون بتفجير عشرات المساجد تحت حجج واهية وغير منطقية؛ وإن كانت تفجيرات الحوثيين للمساجد لا تكون إلا وقد أخلوها. الحوثيون تعاملوا مع المعارضين لهم بكل عنجهية؛ فخطفوا من خطفوا، وقمعوا من قمعوا، وابتزوا المال الكثير من رجال الأعمال بطرق مستفزّة، مستعرضين عضالاتهم، وكانت الكلمة الأكثر استفزازاً قولهم: «الدولة دولتنا» ويلحقونها بالتهديد..!!. يرى أصحاب هذا الفريق أن التدخُّل الدولي بات ضرورة في ظل عدم قدرة الدولة المنهارة أصلاً ورجالها الذين خانوا الشرف العسكري وباعوا وطنيتهم بأثمانٍ بخسة، أن يعيدوا اليمن لليمنيين وليس لأحضان فئة اختطفت في ذات عهد قريب الدولة، فتجبّرت وتكبّرت على أبناء الوطن. وعليه يجب أن يفهم الطرف الثاني أن الطرف الأول المؤيّد للحزم العاصفة هو طرف موجوع جداً من أعمال القادمين الجدد الذين لم يتركوا للآخرين فرصة لتقبلهم، فيجب أن يكون اختلافنا معهم -الطرف الأول - اختلافاً لا يلحقه خصومة، لاسيما أن غالبية البيوت اليمنية تحتضن الطرفين المؤيد والرافض لعاصفة الحزم. الطرف الثاني يرفض تماماً هذا العدوان وينظر إليه كونه عدواناً غاشماً هدفه الأول والرئيس تدمير اليمن تدميراً كاملاً، وقد وجدت حركة الحوثيين الذريعة الأنسب لتدمير البُنية التحتية لليمن وتدمير ما تبقّى من مقدّرات الجيش اليمني بل وقتل اليمنيين. أصحاب الطرف الثاني مهما تأذّوا من القادمين الجدد، إلا أنهم يرفضون التدخُّل الخارجي، ويعتبرون ما يحدث تدخلاً سافراً في الشأن اليمني، ويصفون من طَالبَ من درع الجزيرة التدخُّل عاجز. الكثيرون من اليمنيين يرفضون التدخُّل الأجنبي، لاسيما أنه تدخُّل عسكري جعل اليمن كلّها ساحة مفتوحة للحرب القذرة التي تحطّم اليمن سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً أيضاً. هي حرب لها طرفان غير متكافئين؛ الأول خارجي، والثاني داخلي يحاول صد الهجمات الجوية من جهة واقتحام الجنوب من جهة أخرى؛ والضحيّة هو الشعب الذي وقع بين فريقين لا تعني لهما اليمن شيئاً. لا أنكر أنني من أكثر الأشخاص الذي يَرَوْن في الحوثيين جماعة حطّمت كل جميل في البلاد، وتعاملت معي ومع من أعرف ومع الكثيرين بكل رعونة وعنجهية؛ وهي جماعة أعادت إلى السطح ما كنّا قد غفلنا عنه من تفرقة طائفية مقيتة، هذا سيّد وهذا قبيلي، هؤلاء القناديل وأولئك الزنابيل، وغيرها من التسمّيات غير الأخلاقية؛ بينما نحن شعبٌ متماسكٌ بين السّادة - كما يُسمّون أنفسهم - والقبائل نسب ومصاهرة، ولكن ورغم كل هذه الكراهية للحوثيين، بيد أني أرفض رفضاً باتاً هذا التدخُّل وأشعر بالقهر والحزن والألم على وطني، وأكاد أبكي وأنا أشاهد تعليقات السعوديين والخليجيين على تويتر وفيس بوك وهم مهلّلون فرحون بتدمير اليمن، اليمن هذه البلاد التي ما أراد لها أبناؤها الخير أبداً، فكيف نرجوه من الغير..؟!. أليس من الأجدى والأجدر بنا كيمنيين أن نكون صفاً واحداً لمواجهة هذه المِحنة أو المصيبة التي تحلّق فوق رؤوسنا يومياً ترعبنا وترعب أبناءنا، تقتلنا وتقتل وطننا، تدمّرنا وتدمّر بلدنا، أم أن ما يحدث ليس كفيلاً بأن يجعلنا بقلب واحد ينبض بحب الوطن، أو ليس ما يحدث كفيلاً أن يجعل منّا يداً واحدة تمسح الدموع من مآقي اليمن وتضمّد الجراح وتحقن الدماء لتحمل لاحقاً راية البناء. فكفى هذا الوطن تدميراً، وكفاه كل هذا الحقد الذي صببناه عليه صبّاً، لنأتي أخيراً بمن يزيد الحقد حقداً و دماراً وقتلاً. [email protected]