ألقت الحروب الكبيرة منها والصغيرة والمتناثرة في أنحاء عديدة في المنطقة والعالم راهناً خلال العقود المنصرمة وعلى مر العصور بظلال كئيبة ومخيفة على الإنسان وعرقلت جهود هذه الشعوب والأمم في اللحاق بركب العصر ومواكبة تطوراته المتسارعة. وما يحدث اليوم في المنطقة العربية من احتراب أهلي مروّع إنما يمثّل حلقة من حلقات تناسل الحروب التي تغذيها أطراف دولية وإقليمية تعمل جاهدة على إبقاء هذه المنطقة الحيوية من العالم في بؤرة صراع دائم وبحيث لاتتمكن الاستفادة من مواردها الاقتصادية والبشرية والقيام بدور فاعل على مسرح الخارطة الدولية، وإنما تبقى حبيسة هذه النزاعات وتهدر مواردها في الإنفاق على تمويل هذه الحروب المؤسفة. وتبدو الدروس الماثلة أمامنا في سورية والعراق واليمن واحدة من الأمثلة والنماذج على هذا الواقع المرير الذي تعيشه هذه الدول وغيرها وتلك المُهيئة لاستنساخ هذا الواقع .. وهو الأمر الذي يستدعي المزيد من تفهم هذه الإشكالية بعمق .. وبالتالي البحث عن صيغ مناسبة تكفل إيقاف هذا النزف وبلورة مشروع وطني يتجاوز مجمل الرهانات القائمة لتفتيت تماسك نسيج الأمة ومخزونها الثقافي. وللتذكير فقط فإن التداعيات المؤسفة والخطيرة التي يعيشها الوطن اليمني راهناً إنما تمثل أحد تلك الصور التي طبعت الواقع العربي حاضراً بامتصاص مثالب الحقد والكراهية التي تصدّرها إلينا قوى الخارج لتوسيع شقة الاختلاف والاحتراب حتى لا يأخذ هذا البلد أسوة بباقي الدول العربية مكانته الحضارية في سجل معترك التغيير والبناء .. ولعل ما يجري على الساحة من اقتتال مخزٍ لايمت بأية صلة إلى مقومات هذا الشعب بل ويتعارض تماماً مع تطلعاته وطموحاته في العيش المشترك.. فهل يمكن للقوى المتصارعة أن تستوعب المخاطر من الاستمرار في هذا التصعيد التدميري؟.. باعتباره أحد فصول الحروب التي تتناسل الواحدة تلو الأخرى، دون أن تستفيد منها حتى تلك الأطراف الداخلية التي تتبنى أجندة الخارج في إدارة هذه الحروب وتحديداً داخل الوطن العربي؟!