تأكد الآن جلياً وبما لا يدع مجالاً للشك أن إيعاز الإدارة الأمريكية الذي أفضى إلى تدخل عسكري سافر لإثيوبيا في الصومال إنما أوصل إلى ذات النتائج الماثلة في العراق مع اختلافات مؤكدة، فإذا كانت العراق أولوية استراتيجية بالنسبة للإدارة الأمريكية، فإن ملف الصومال قابل لتسوية بعيدة المدى، ولا بأس من انتظار اختمار الشروط المناسبة حتى تشرع الولاياتالمتحدة في تحديد خارطة طريق الحل للمشكلة الصومالية. ماجرى ويجري في العراق جاء إثر تدخل مباشر للعسكرية الأمريكية وعلى أساس مبررات ثبت بطلانها، ومشروع «ألفي فاضل» أعلنت عنه الإدارة الأمريكية وتكشف عن سراب ذلك أن العسكرية الأمريكية التي ذهبت إلى بغداد مدججة بالسلاح والمال لم تمهد لتنفيذ ذلك المشروع الذي بشرت به الإدارة والقائل بإقامة نظام ديمقراطي تعددي أكثر إنسانية من نظام البعث السابق، بل أفلحت في إدخال نظام المحاصصة الطائفية الذي أوصل الأمور إلى التراجيديا البشعة الماثلة وتشريد ملايين المواطنين العراقيين، وقتل ما يزيد عن نصف مليون من البشر، وإعاقة أعداد أخرى غير مرصودة في كشاف المحتسبين للموتى والجرحى من غير الأمريكان ! ذات المعادلة تتحقق الآن في الصومال، فبعد التدخل العسكري الإثيوبي بدأ تدفق اللاجئين الصوماليين إلى الداخل الصومالي والجوار الإقليمي وقد بلغ أعداد النازحين من العاصمة الصومالية مقديشو قرابة نصف المليون، فيما استعرت المعارك الحامية في العاصمة وتمددت لتوها في مناطق أخرى، ولم يفلح التعتيم الإعلامي الدولي في كشف الحقائق المريرة التي أعادت إنتاج نفسها بكفاءة، وهي مهيأة للانتقال السريع إلى مدن صومالية أخرى، فلم تعد العاصمة وضواحيها المكان الوحيد للكر والفر، بل أن «بونت لاند» الواقعة في أقصى شمال الوسط بدأت تغتلي بنيران حرب داخلية تنذر بعواقب وخيمة. إثيوبيا التي توهمت أنها بالاستباق العسكري وإسقاط نظام المحاكم ستكون بمنأى عن خطر الحرب الأهلية، تجد نفسها الآن في قلب المعترك، فقد قام مهاجمون قبل فترة باستهداف منشأة نفطية إثيوبية كانت نتيجتها مقتل العشرات من الإثيوبيين والصينيين العاملين في المشروع، وخلال الأيام القليلة الماضية تزايدت معارك العاصمة مقديشو، وأصبح الجنود الإثيوبيون ينزفون بعد أن زال وهم الظفر العسكري الموقت، فأي حل تريده إدارة بوش إذاً ؟!