خلال فترة تنامي نفوذ المحاكم الشرعية في العاصمة الصومالية وكامل الاقليم الجنوبي حرصت أمريكا على التأني وعدم الاندفاع لمواقف معلنة ضد المحاكم، بل أنها وجهت تحذيراً مزدوجاً لاثيوبيا واريتريا بعدم التدخل في الشأن الصومالي الداخلي، غير ان هذا الموقف الأمريكي سرعان ما انقلب رأساً على عقب بنتيجة التأييد الامريكي المعلن للتدخل الاثيوبي بوصفه دفاعاً عن النفس ضد مشروع المحاكم !! هذا التخبط في القراءة الامريكية للأوضاع الصومالية ليس جديداً ، فقد ترافق مع تلك السياسة منذ ما قبل مؤتمري “ عرتا “ و “ نيروبي “ للمصالحة الصومالية ،وفارق الإجماعين العربي والإقليمي، وكان وما زال مُصراً على التفرد بأدوات الحل، تماماً كما حدث في فلسطين، العراق وافغانستان. لا تريد الولايات المتحدة الإقرار بأن الإسلام السياسي ليس لوناً واحداً، وانه لا يتطابق حرفياً في مشروعه ورؤيته وكيفية معالجته للقضايا، ولا تريد بالمقابل ان تمنح الفرصة لأي مشروع يتخلّق من أحشاء البلايا التي مهّدت لها أنظمة الظُلم والجور الصديقة للولايات المتحدة، مع سكوت مشين عن فداحات سلوك تلك الأنظمة ضد مواطنيها بالذات . . رفضت أمريكا نتيجة مؤتمر “ عرتا” بجيبوتي ، ثم اعتبرت الرئيس المنتخب حينها “ عبدي قاسم صلاد “ مُتعاطفاً مع الارهابيين لأنه يلتحي ويؤدي الفرائض !!، وبعد مؤتمر نيروبي لم تنبس واشنطن ببنت شفة، غير أنها قدمت دعماً مؤكداً لامراء الحرب في العاصمة مقديشو، وبهذا أسهمت ضمناً في تعطيل نتائج مؤتمر نيروبي وتأجيل وصول حكومة الرئيس الجديد عبدالله يوسف إلى العاصمة، وخلال تداعيات ما بعد الصدام بين المحاكم وامراء الحرب تجنّبت واشنطن التدخل المُعلن، لكنها الآن تدعم اثيوبيا في مغامرتها القاتلة بالتدخل العسكري في الصومال ، وكأن “ أديس” ستنجح فيما اخفقت فيه العسكرية الامريكية ! الموقف سجال ، والتوقعات أشبه بالحالة الافغانية، والفوضى البناءة وجدت لها هذه المرة إضافة خصبة لمشروعها الجهنمي. اثيوبيا الرائية المتأنية وقعت وإلى أمد بعيد في مصيدة لن تخرج منها كما كانت. لقد وقعت في مصيدة الفوضى البناءة الأمريكية القاتلة، وبدأت تنفذ سياسة واشنطن من حيث تدري أو لا تدري.