- د. عمر عبد العزيز .. للمرة الثانية والثالثة والرابعة يؤكد أمراء الحرب في الصومال أنهم العقبة الكأداء أمام المصالحة الوطنية وأنهم فوق كل الاعتبارات والآمال والأحلام، فلقد تحدوا قبل سنين أقطاب مؤتمر «عرتا» للمصالح، وعطلوا الإجماع الإقليمي والعربي على ضرورة المصالحة في الصومال وواصلوا إرادة التدمير العدمي، طالما أنهم يستولون على العاصمة والموانئ والمطارات والموارد، ويديرون الشؤون الداخلية للبلاد بعقلية المافيا وتجار الحرب، ويتوفرون على السلاح والمقاتلين المخدرين، وبالتالي لا تستطيع أي حكومة منتخبة أن تجد الطريق إلى العاصمة. وبعد مؤتمر نيروبي الأخير للمصالحة الصومالية والذي نال إجماعاً عربياً وإقليمياً ودولياً غير مسبوق مازال التحدي الأكبر أمام الحكومة الانتقالية لإدارة شؤونها في العاصمة واستذكار المطالب الأمريكية المتجددة والخاصة أولاً بمحاورة المحاكم الاسمية، ثم التخلي عن منطق الإلغاء ضد الآخرين. أمريكا التي تطالب حكومة عبدالله يوسف بهذه المطالب هي ذاتها التي أوعزت لاثيوبيا بالاكتساح، وفتحت باباً واسعاً لامراء الحرب المتدثرين بشرعية مؤتمر نيروبي ممن اعادوا سيطرتهم الفعلية على العاصمة الصومالية، فماذا سيفعل الرئيس الصومالي عبدالله يوسف ومن يناصره أمام هذا التوازن الصعب القائم على تغطية الحقائق؟ فالحاصل أن أمراء الحرب لم يحلوا مليشياتهم المجرمة لصالح مشروع الدولة، بل ألبسوهم مسوح الدولة ذاتها، وبالتالي فإن الحقيقة السافرة تتمثل فيما يلي: أمراء حرب باسم شرعية نيروبي، ومليشيات أمراء الحرب بغطاء المؤسسة العسكرية الرسمية، فيا لها من فداحة! إذا قرر عبدالله يوسف البقاء في العاصمة مع حكومته وبرلمانه فإن عليه أن يتوقع الأسوأ، وأقل مافيها اغتيالات سياسية لأبرز رموز الحكومة الانتقالية، وإذا ماقرر العودة متحصناً في بيداوه، فإنه لن ينال دعم مختلف الأطراف المتحالفة معه وفق ثوابت ومرجعيات مؤتمر نيروبي مما سيعجل بتصدع جدار التحالف الثمين بين فرقاء نيروبي، وإذا قرر المضي قدماً باتجاه مقارعة أمراء الحرب، فإن عليه أن يوفر المال والسلاح اللازمين لخوض غمار حرب من نوع جديد، لاهي بالحرب الأهلية، ولاهي حرب كالتي حسمها الاثيوبيون. تلك هي الخيارات المتاحة أمام الحكومة الانتقالية، ويدرك أمراء الحرب مدى صعوبة السير في أي من هذه الخيارات بالنسبة لشرعية نيروبي، غير أنهم يدركون أيضاً أن البساط قد بدأ ينسحب من تحت أقدامهم، وأن أمر الفوضى القائمة في الصومال على مقربة من النهاية، ولعل هذا الشعور السيكولوجي سيجعل جل المليشيات المقاتلة في العاصمة تعيد النظر في اتساقها التام مع أمراء الحرب، خاصة إذا شعرت بأنه سيكون لها مكان في تشكيل الوحدات العسكرية النظامية للدولة الجديدة، وأنهم لن يكونوا عرضة للمحاكمات والاعتقالات. ومن المفيد في هذا الجانب أن يستفيد الوضع الجديد في الصومال من الخطأ القاتل الذي حدث في العراق بعد سقوط بغداد، فقد تم الاستعجال بتسريح العسكريين، وقد اعترف الأمريكان وحلفاؤهم بأن ذلك من الأخطاء القاتلة التي مازالوا يدفعون ثمنها. [email protected]