كما توقعنا منذ لحظة الظفر العسكري لشرعية مؤتمر نيروبي لفرقاء الساحة الصومالية عادت المحاكم الإسلامية بقوة لتصبح كامل المدن الجنوبية في الصومال تحت سيطرتها . لقد اعتقد الكثيرون أن وصول الرئيس عبدالله يوسف إلى العاصمة مقديشو بظهر الدبابات الأثيوبية ستمنحه الشرعية ، غير أن ماحصل تحديداً هو أنه فقد عملياً شرعية مؤتمر نيروبي الذي حرص على نجاح كامل دول الإقليم بما فيها الجمهورية اليمنية الحريصة دوماً على دعم المصالحة الصومالية سواء في نيروبي وقبلها في عرتا بجيبوتي ، لكن التدخل العسكري الأثيوبي السافر جاء بمثابة بداية النهاية لشرعية نيروبي ، وبالتالي شرعية دولة عبدالله يوسف التي شهدت منذ البدايات الأولى سلسلة من الخلافات ، وكان آخرها الخلاف الراهن بين رئيس الدولة الافتراضية ورئيس وزرائها ، وهو الأمر الذي جعل البرلمان في حيرة وتمزق مشهودين . بعد التدخل العسكري الأثيوبي انسحبت قوات المحاكم الإسلامية من العاصمة مقديشو ، وتراجعت إلى العمق الريفي لتعيد ترتيب أوراقها وتنوع من فعالياتها التنظيمية، كما حرصت على أن تباشر عملاً سياسياً خارجياً دون السقوط في وهم المراهنة على الموقفين الإقليمي والدولي ، ولهذا السبب جاء سقوط مدينة كسمايو الاستراتيجية بيد المقاتلين الإسلاميين بمثابة بداية لعودة مسلسل يعيد إنتاج نفسه، فتسقط المدن الجنوبية بيد المحاكم وحركة الجهاد واحدة تلو الأخرى . ما ساعد المحاكم وحلفاءها على التقدم هو إخفاقات شرعية نيروبي، فمن عودة متجددة لأمراء الحرب ، وتفاقم يومي للقرصنة البحرية، وزيادة الجرائم ، وغياب المأسسة، وحتى الخلافات العدمية بين أعضاء الحكومة والبرلمان . لقد مثلت هذه الأمور بجملتها مناسبة أخرى لتعاظم مكانة الإسلام السياسي المقاتل ، وهاهي الصومال تعود مجدداً إلى نقطة الصفر ، فيما تتورط حكومة رئيس الوزراء الأثيوبي “ميليس زيناوي “ حتى مخ العظم . وإذا مانجحت المحاكم ومن معها في الوصول إلى العاصمة مقديشو فإن الآثار لن تقتصر على الداخل الصومالي بل ستحاصر الحكومة الأثيوبية وتجعلها ضحية ضعيفة لمعارضيها الرافضين لمثل ذاك الانصياع للأوامر الأمريكية التي كانت وراء الغزو الأثيوبي للصومال