يتأكد مجدداً ما ذهب إليه المراقبون الأكثر رشداً واستقراء لنواميس التاريخ والجغرافيا، وتعود الأمور أدراجها إلى ما كانت عليه قبل دخول القوات الإثيوبية للصومال، فقد تعافت المحاكم الإسلامية بأسرع مما توقع المهاجمون المدججون بالنيران الإثيوبية ، واستطاعت المحاكم السيطرة على المدن الرئيسة في إقليم “ جوبا السفلى “ في زمن قياسي، وتحديداً “ كسمايو وجوهر وبلدوين “، وقد اعترفت حكومة الرئيس عبدالله يوسف بهذه الحقيقة، وسعى البعض إلى لقاء مصالحة بين شرعية نيروبي من جهة والمحاكم الإسلامية من جهة أُخرى، غير أن هذا المقترح اشترط وساطة إثيوبية وهو ما ترفضه المحاكم جملةً وتفصيلاً باعتبار أن إثيوبيا طرف في النزاع، وأن وجودها الحالي في الصومال لا يعدو أن يكون وجود احتلال . ما يجري في الصومال شبيه إلى حد بعيد بما جرى ويجري في أفغانستان، فالشاهد أن المحاكم الإسلامية الصومالية تزداد قوةً وحضوراً، تماماً كحركة طالبان الأفغانية، مع اختلاف بين البلدين هو أن أفغانستان تحوز على رعاية أمريكية أطلسية استثنائية، فيما تمّ تسليم الملف الصومالي لإثيوبيا الجارة المرهقة بمتاعبها الداخلية وخلافاتها العميقة مع اريتريا، وهذا يعني بتحديد العبارة أن للمحاكم فرصاً أكبر في الاستطراد على سلسلة نزالاتها الراهنة، وقد تصل إلى تخوم العاصمة مقديشو إذا ما ظل الحضور الدولي الداعم لشرعية نيروبي مُنحسراً ومُحدداً . هذا هو جديد الصومال المنكوب مرتين .. مرة لأن فرقاء الداخل لم يحسنوا إدارة خلافاتهم على قاعدة التنازلات الشجاعة المتبادلة، وأُخرى لأن الجوار العربي الإسلامي ترك هذا البلد لمصيره، مُتناسياً أن نوائب الصومال كنوائب العراق وفلسطين ستنتقل بآثارها المؤكدة على كل دول الجوار المتحصنة بالأوهام ومنطق التسييج للحدود البرية والبحرية والجوية.