من المتوقع أن تثير عودة الروائي المصري رءوف مسعد إلى القاهرة الأسبوع الماضي بعد غياب ردود فعل جديدة في الأوساط الأدبية والفكرية والأزهرية تماثل تلك التي هاجر بسببها إلى هولندا قبل عدة سنوات، إذ أعلن أن سبب عودته هو تدشين روايته الجديدة "إيثاكا" التي يدافع فيها بحسب كلامه عن "النشاط الجنسي" لمن أسماهم "ضحايا الباخرة المصرية (كوين بوت) عام 2004". واعتبر مسعد في ذلك الوقت أن محاكمتهم غير قانونية لأنهم "لم يمارسوا الجنس مقابل المال" مساويا بذلك بين الشذوذ (المثلية) والجنس الطبيعي حيث أن السلطات الأمنية المصرية ألقت القبض آنذاك على ركاب تلك الباخرة النيلية العائمة في أوضاع شذوذ، وصدرت ضدهم أحكام قضائية بالسجن بعد محاكمة استمرت عدة شهور، ثم تم الإفراج عنهم إثر ضجة كبيرة أثارتها جمعيات مثليين في العالم، وبعض منظمات حقوق الإنسان. وفي حوار مع "العربية.نت" برر مسعد اهتمامه بالكتابة عن عالم "المثليين"بإيمانه بأن من حق أي فئة في المجتمع أن تحدد هويتها الجنسية المناسبة، مطالباً المبدعين العرب بكتابة روايات "غير أخلاقية" ومؤكداً أن نجيب محفوظ وعلاء الأسواني ويوسف إدريس أدباء قمعيين لأنهم مارسوا نوعاً من القمع ضد شخصيات "مثلية" في رواياتهم. وأكد الأديب المصري رءوف ل"العربية.نت" على خلفية الانتقادات التي وجهت لتناوله شخصيات مثلية في رواياته، وبعد زياراته لنوادي المثليين الجنسيين في الغرب، أن "الشذوذ" لم تعد تهمة، مشيراً إلى أن النشاط الجنسي أمر بالغ الخصوصية لا يحق للآخرين التدخل فيه. وقال إنه اتفق هو وزوجته علي تناول حبة "الموت الرحيم" إذا تدهورت حالتهما الصحية وإذا أحس أنه غير قادر على الكتابة والإبداع. وانتقد مسعد ما أسماه ب "النشاط الجنسي" لنواب الإخوان المسلمين في البرلمان المصري (88 عضواً)، قائلاً:إن المتتبع لأسئلتهم واستجواباتهم يجد أن نصفها على الأقل تنصب في موضوع الجنس. كان مسعد المولود في السودان عام 1937 والمقيم في أمستردامبهولندا منذ العام 1990، قد زار إسرائيل في تسعينيات القرن الماضي، وتم نشر آخر روايتين له في مصر بعنوان "بيضة النعامة" وهي جزء من سيرته الذاتية و"إيثاكا" عالج فيها قضايا لمثليين جنسيين. ومن مؤلفاته الأخرى "انتظار المخلص رحلة إلى الأرض المحرمة " و"يا ليل يا عين" و"مزاج التماسيح"، وكان مسعد واحداً من الناشطين السياسيين في الستينيات وتعرض للاعتقال والسجن منذ العام 60 وحتى 64 بتهمة الشيوعية، وعمل بالصحافة في مصر وبيروت قبل هجرته إلى هولندا. ويرى النقاد إن روايات مسعد هي نموذج لما يسمى ب "الأيروتيكية العربية"، وهو نمط جديد في الأدب العربي المعني بالجسد والجنس إلا أنه مسعد يعمد فيها إلى كسر "تابو" الدين والجنس بجرأة بالغة. اختراق عالم المثلية الجنسية حول الدافع الذي جعل الروائي رءوف مسعد يعتنق مزاج الكتابة المشغولة بالجسد يقول في حواره مع "العربية.نت" إن مهمتي ككاتب أن ابحث عن "الاختراقات" لعالم يبدو مجهولا وهو في الحقيقة غير ذلك، لكنه مسكوت عنه ولا يريد أي كاتب الاقتراب منه لأنه خطر ولأن من يقترب منه سوف يوصم بأنه من هذا العالم. ويضيف "إنني استخدم الجسد "كوسيط" لكي أناقش كل القضايا فالأعمال الأدبية عادة لا تخاطب العقل، لكنها تتعامل مع الخيال والفانتازيا". ويري مسعد إن الثقافة الشرق أوسطية هي ثقافة المخاتلة والرياء والمداهنة وإخفاء الحقائق والتظاهر بعكس ما تبطن، مؤكدا أن هناك مناطق كثيرة في مصر والدول العربية تمارس الجنس المثلي على نطاق واسع سواء بين الذكور أو الإناث، وتبرز بين وقت وآخر جرائم انتهاكات جنسية للصبيان في المدارس. ويضيف "إنها ثقافة تعتمد على السب من خلال الجنس و"إهانة" الذكر بأنه "امرأة" وإهانة الناس بأنهم يمارسون الجنس. نجيب محفوظ وعلاء الأسواني وفي رده على سؤال عن الأدباء العرب الذين كتبوا عن المثليين الجنسيين يقول الروائي المهاجر إلى أمستردام رءوف مسعد: إن هناك أدباء كثيرين كتبوا عن المثليين الجنسيين فهو ليس عالماً مجهولاً، لكنهم تعملوا مع شخصياتهم بمنطق مختلف فحينما كتب علاء الأسواني عنهم وعاقبهم بالقتل كما حدث لشخصية الصحفي في "عمارة يعقوبيان" فهذا "طبيعي لكن حينما اكتب أنا عنهم- والكلام لمسعد - وأسجل وثائق انتهاكهم كبشر في الطب الشرعي وأقسام الشرطة فحينئذ يغضب بعض الناس ويتنمرون". ويستطرد "إن نجيب محفوظ كتب رواية هامة "السراب" عن شخصية مثلية كما انه كتب عن شخصية مثلية في الجزء الأخير من الثلاثية ولم يعاقب الشخصية ولم يقتلها، وكذلك يوسف إدريس، وعلاء الأسواني في عمارة يعقوبيان، وهؤلاء كتاب قمعيين لأنهم يقمعون شخصياتهم ولا يتركونها تختار مصيرها بحرية. أما حسن اللاواتي فقد كتب كتاب بعنوان "البحث عن الذات" عن شخص "مثلي" لكنه يتخلي عن ذلك في نهاية العمل، وكان علي الكاتب أن ينهي الكتاب بهذا الشكل لأنه أستاذ بجامعة مسقط. مترجم "عمارة يعقوبيان" شاذ وحول رأيه في علاء الأسواني ورواية يعقوبيان يقول: شاركت في مؤتمر في باريس أبريل/نيسان الماضي تحت عنوان سلطة الرواية بورقة بعنوان "كاتب قمعي ومجتمع قمعي": قلت فيه إن الأسواني كاتب قمعي ويقمع شخصياته، وقد التقيت مترجم يعقوبيان للإنجليزية وعرفت أنه مزدوج الميول الجنسية "bisexual" وقال لي أنه ترجم الرواية لكي يقول للعالم الخارجي أن هذه مصر. من ناحية أخري يقول مسعد عن علاقة الأدب بالأخلاق "أنا ضد الكتابة الأخلاقية لأن الأخلاق اختراع إنساني براجماتي، متسائلاً " ألم تتغير "أخلاق" العرب والمصريين خلال الربع قرن الأخير؟ هل من “الأخلاق" الحميدة تزييف الانتخابات المصرية مثلا؟. اتهامات بالشذوذ الجنسي سألته عن المخاوف التي تطارده خشية اتهامه بالشذوذ بعد كتاباته وزياراته وتردده على أندية المثليين الجنسيين في الغرب، فأجاب "لم تعد الاتهامات تهمني فحتى ما تطلق عليه أنت اصطلاح "الشذوذ" لا اعتبره تهمة ولست في معرض نفيه وإنكاره أو تأكيده، فالسلوك الشخصي للإنسان ونشاطه الجنسي هو أمر بالغ الخصوصية لا يحق للآخرين التدخل فيه. ويتساءل مسعد "هل تستطيع أن تقول لي ما هو الأذى الذي يسببه النشاط الجنسي للمثليين؟. في السياق ذاته يقول مدافعاً عن سلوك المثليين "إن السلوك المثلي أسلوب لحياة جزء من المجتمع حتى لو كان صغيرا، أليس النشاط الجنسي لضحايا الباخرة المصرية "كوين بوت" عام 2004، هو شيئا يخصهم، فلماذا إذا يحاكمهم القانون بتهمة اعتياد الفجور طبقا للمادة القانونية التي قدمتهم بها النيابة العامة للمحاكمة وهم في الوقت نفسه وطبقا للمحاضر الحقيقة للشرطة لم يتعاطوا الجنس مقابل المال. وجهت إليه سؤالاً مضمونه، ألم تجد غير المثليين بصفتهم فئة مضطهدة للدفاع عنهم في وطن مليء بالمظلومين والمقهورين من فقراء ومعدمين ومهضومي الحقوق؟، فقال: دعني أوجه لك سؤالاً: ألم يجد المسلمون شيئا أكثر أهمية من الجنس يبذلون جهدهم في تقنينه، والمثال الواضح هو النشاط "الجنسي" لنواب الإخوان المسلمين في مجلس الشعب، فالمتتبع لأسئلتهم واستجواباتهم سيجد أن نصفها على الأقل تنصب في موضوع الجنس، الحجاب مثلا والزوبعة التافهة حوله، رواية وليمة لأعشاب البحر، أفيشات بعض الأفلام..الخ. ويضيف: إن الإسلاميين أسسوا تجارة رابحة وكبيرة حول "الممنوعات الجنسية والثياب الحلال". "حبة" الموت الرحيم وأنهي مسعد حديثه ل"العربية.نت" مؤكدا أنه حينما ذهب لإسرائيل في تسعينيات القرن الماضي كان مقتنعا بما يقوم به وأنه لم يذهب من أجل التطبيع ولكن من أجل رؤية الآخر على طبيعته، مؤكداً أن الكثير من الناس أصبحوا يتقبلون التطبيع مع إسرائيل في السنوات الأخيرة بعدما خف التوتر العام حول القضية. وفي معرض حديثه عن المبدعين العرب الشباب قال إن الرواية العربية ستصبح رواية الانترنت والكمبيوتر والجنس والأكلات السريعة والعلاقات المتغيرة داخل الأسرة حيث تعددت مصادر الكسب وتنوعت. وعن الهواجس التي تؤرقه قال "اتفقت أنا وزوجتي علي أخذ حبة الموت الرحيم إذا تدهورت حالتينا الصحية وعجزت أجهزتنا الحيوية عن ممارسة وظائفها، أرغب في الموت بشكل لطيف وبكرامة، وحينما أحس أن وظائفي الحيوية توقفت عن العمل فمن الأفضل أن أرحل".