- زيد الغابري تناقلت الأخبار قبل أيام نبأ إصدار مذكرة اعتقال بحق الشيخ/ حارث الضاري أمين عام هيئة مسلمي العراق من الحكومة العراقية ، وكان لهذا النبأ وقع غير عادي عند أبناء العراق أنفسهم بما فيهم أهل الشيعة ، حيث أدانه أحد المراجع الشيعية المرموقة ، ودعا رئيس الوزراء نوري المالكي إلى إلغاء المذكرة أو سحبها إن كانت قد صدرت فعلاً ، وتوجيه جميع السلطات الأمنية بعدم التعرض للشيخ البارز وضمان سلامته ، وفيما بعد أنكر الدكتور/ المالكي الذي كانت القوى السياسية في داخل العراق وخارجه قد أشادت به إثر خطاب ألقاه أعلن فيه عدم شرعية المليشيات المسلحة وإلغائها ووضع أسلحتها بيد السلطات الأمنية والجيش ، وأدان أعمال القتل الطائفي والتهجير الذي تقف وراءه ما تسمى فرق الموت ، كما أكد تمسكه بوحدة العراق الجغرافية والديمغرافية ، وحذر من المساس بها من أية جهة كانت داخلية وخارجية ، واعتبر في نظر هذه القوى رجلاً ومسؤولاً حكيماً وطنياً وماهراً في إدارة البلاد بروح المسؤولية التي تؤمن الجميع وتحافظ على الوحدة الوطنية وترفض الأفكار الطائفية والشعوبية مهما كان الثمن. وقد استغربت هذه القوى عبر القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية والصحف هذا التناقض في العمل والدعوة إلى الوحدة الوطنية ، وترجت أن يكون خطأ غير مقصود ، وبالتالي لم يقلل النفي الرسمي لهذه المذكرة بصيغة عدم علم الحكومة العراقية بمذكرة التوقيف من تخوف القوى السياسية على مستوى الوطن العربي والعراقيين في المقدمة من عواقب لتلك المذكرة حتى بعد نفيها وسحبها ؛ لأن الأحداث اليومية العنيفة في العراق منذ احتلاله من قبل أمريكا وبريطانيا عام 2003م قد كشفت وجود عناصر لاهمّ لها إلا تفكيك هذا البلد العظيم بثرواته وتراثه ورجاله وحضاراته ، وكل الخيرات التي ظل ينعم بها كأفضل قطر عربي رغم الانقلابات والتقلبات السياسية التي شهدها منذ الاحتلال البريطاني الأول في العشرينيات من القرن الماضي. فالشيخ الضاري رمز من رموز العراق ، وقامة مهابة عملاقة بعلمه ومكانته الاجتماعية وتفكيره النير وسيرته الذاتية المشرفة ، وإذا مسه مكروه لا سمح الله فسيكون كارثة إضافية تضاف إلى كوارث العراق الحديثة ، ومصدر قلق وعدم استقرار في كل الدول المجاورة ، فلن تسكت القوى والطوائف الأخرى بل والقوميات والأعراق عن جريمة بهذا الحجم ترتكب في حق الشيخ الضاري ، ولا نملك إلا أن نشيد بتلافي الخطأ المعلن من قبل رئيس الوزراء المالكي الذي نأمل هنا وفي كل أنحاء العالم العربي أن يقود شعبه إلى نيل حريته وبنائه بناءً قوياً ، وإلى الأبد ، ولن يتأتي ذلك في ظل الأعمال الإجرامية بحق كل العراقيين وخاصة العلماء والمفكرين والقادة ، والتي كان آخرها اختطاف حوالي مائة وخمسين منهم قبل أيام من مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في بغداد ، فقد تبين أن المخطوفين من أبرز وخيرة العلماء في المجالات العلمية الحديثة ، ويتمثل ذلك استمراراً لإفراغ العراق من العقول التي يتوقف عليها إعادة بناء العراق في كل المجالات ، فقد قتل و أخفي العديد منهم في أماكن متفرقة ، وكان للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية نصيب الأسد منهم مما ذكرنا بتقاسم أوروبا وأمريكا من جهة والاتحاد السوفيتي السابق للعلماء الألمان بعد الحرب العالمية الثانية ، والذين قاموا بصناعة الصواريخ البعيدة المدى للأغراض العسكرية ولغزو الفضاء فيما بعد.