- د. عمر عبد العزيز .. شكّلت المدرسة الرومانتيكية في الفن التشكيلي الأوروبي محطة استثنائية للاستغراق في الذات الرائية للطبيعة و ما وراءها ، فقد عاش الفنان الرومانسي حالة من صفاء الذات الموصولة بتضاريس الطبيعة المتغيرة و ألوانها و بهائها وإشراقاتها و غوامضها و نفحاتها الأزلية . تمثّل ذلك الفنان حالة الانسجام المطلق مع الكلي و الجوهري حتى أصبح نقطة في بحر يزخر بالتقلبات و الأنفاس الشجية ، و من اللافت أن الرومانسيين كانوا أكثر الفنانين استلهاماً للأجواء المشرقية العربية الإسلامية التي ألهمتهم الكثير من المفردات المرتبطة بالمدى المفتوح و الإشراق النوراني و الترحال في العوالم الذاتية للأنا المترعة بالحيرة و الدهشة و القلق . كانت الآداب العربية الإسلامية معيناً للرومانتيكيين الأوربيين سواء الذين كتبوا نصوصاً أو رسموا لوحات .. فقد وجدوا في النصوص الشعرية الوجدانية العربية و الفارسية و الكتابات الصوفية الصادرة عن الحائرين المخطوفين معيناً و نبعاً لا ينضب ، مما جعلهم يتأسّون بتلك الفضاءات المعرفية و الذوقية ويقدمون نصوصاً و تصاويراً تستلهم تلك الرؤى . كانت المدرسة الرومانسية بمثابة محطة استجلاء للوجدانات الفردية القابعة في زمن الدهشة و الفرح ، كما كانت محطة استثنائية في التصالح مع الذات والواقع ، فقد تباعد الفنان الرومانسي عن أنواء الحياة سابحاً في عوالم الطبيعة و جمالياتها الراكزة في أصل الأشياء و مكنوناتها الجميلة العميقة ، لكنّ هذه المناورة الفلسفية الوجدانية لم يكن بمقدورها محاصرة البلايا و التداعيات الدراماتيكية التي شهدتها أوروبا ما بعد القرون الوسطى ، حيث تحولت المانوفاكتورة ( الصناعات اليدوية ) إلى بؤرة تتكابر ممهدة لوحشية رأسمالية تطحن الإنسان و تدمر التوازن التقليدي الذي عاشته القارة العجوز لقرون من الزمان . كان المد ّ الجارف لل ( المانوفاكتورة ) ونشوء البرجوازية الماركانتيلية (اقتصاد السوق ) كفيلا ً بتدمير الرومانسية الفنية و التمهيد لمدرسة فنية جديدة كانت بمثابة المعطف الكبير الذي خرجت منه كامل التيارات و الأهواء الفنية الحديثة . نشأت المدرسة التأثيرية أو الانطباعية في باريس التي كانت قلعة من قلاع الجدل الفلسفي و الاكتشافات العلمية و المفارقات الحياتية . و كان الفنانون التأثيريون أوائل الجسوم الفيزيائية التي حملت قرون استشعار استثنائية تجاه ذلك الواقع الغارق في الملذات الأبيقورية بالتوازي مع درجة عالية من التبرير الفلسفي الرواقي ، حيث كانت البرجوازية الفتية تبرر الفقر المدقع بوصفه حالة ضرورية من حالات الحياة ، و بالتالي ، فإن تلك الطبقة الناهضة ما كان لها أن تتعايش مع الأحلام الطوباوية للرومانتيكيين ، أو أن تتصالح مع دعاة أنسنة الوجود ، خاصة أنها نجحت في الاكتشافات الجغرافيّة و العلوم البرهانية ، و أصبحت كالنعامة التي كادت أن تطير ، فحق ّ عليها قول الشاعر العربي : " مثل النعامة لا طير و لا جمل " [email protected]شكّلت المدرسة الرومانتيكية في الفن التشكيلي الأوروبي محطة استثنائية للاستغراق في الذات الرائية للطبيعة و ما وراءها ، فقد عاش الفنان الرومانسي حالة من صفاء الذات الموصولة بتضاريس الطبيعة المتغيرة و ألوانها و بهائها وإشراقاتها و غوامضها و نفحاتها الأزلية . تمثّل ذلك الفنان حالة الانسجام المطلق مع الكلي و الجوهري حتى أصبح نقطة في بحر يزخر بالتقلبات و الأنفاس الشجية ، و من اللافت أن الرومانسيين كانوا أكثر الفنانين استلهاماً للأجواء المشرقية العربية الإسلامية التي ألهمتهم الكثير من المفردات المرتبطة بالمدى المفتوح و الإشراق النوراني و الترحال في العوالم الذاتية للأنا المترعة بالحيرة و الدهشة و القلق . كانت الآداب العربية الإسلامية معيناً للرومانتيكيين الأوربيين سواء الذين كتبوا نصوصاً أو رسموا لوحات .. فقد وجدوا في النصوص الشعرية الوجدانية العربية و الفارسية و الكتابات الصوفية الصادرة عن الحائرين المخطوفين معيناً و نبعاً لا ينضب ، مما جعلهم يتأسّون بتلك الفضاءات المعرفية و الذوقية ويقدمون نصوصاً و تصاويراً تستلهم تلك الرؤى . كانت المدرسة الرومانسية بمثابة محطة استجلاء للوجدانات الفردية القابعة في زمن الدهشة و الفرح ، كما كانت محطة استثنائية في التصالح مع الذات والواقع ، فقد تباعد الفنان الرومانسي عن أنواء الحياة سابحاً في عوالم الطبيعة و جمالياتها الراكزة في أصل الأشياء و مكنوناتها الجميلة العميقة ، لكنّ هذه المناورة الفلسفية الوجدانية لم يكن بمقدورها محاصرة البلايا و التداعيات الدراماتيكية التي شهدتها أوروبا ما بعد القرون الوسطى ، حيث تحولت المانوفاكتورة ( الصناعات اليدوية ) إلى بؤرة تتكابر ممهدة لوحشية رأسمالية تطحن الإنسان و تدمر التوازن التقليدي الذي عاشته القارة العجوز لقرون من الزمان . كان المد ّ الجارف لل ( المانوفاكتورة ) ونشوء البرجوازية الماركانتيلية (اقتصاد السوق ) كفيلا ً بتدمير الرومانسية الفنية و التمهيد لمدرسة فنية جديدة كانت بمثابة المعطف الكبير الذي خرجت منه كامل التيارات و الأهواء الفنية الحديثة . نشأت المدرسة التأثيرية أو الانطباعية في باريس التي كانت قلعة من قلاع الجدل الفلسفي و الاكتشافات العلمية و المفارقات الحياتية . و كان الفنانون التأثيريون أوائل الجسوم الفيزيائية التي حملت قرون استشعار استثنائية تجاه ذلك الواقع الغارق في الملذات الأبيقورية بالتوازي مع درجة عالية من التبرير الفلسفي الرواقي ، حيث كانت البرجوازية الفتية تبرر الفقر المدقع بوصفه حالة ضرورية من حالات الحياة ، و بالتالي ، فإن تلك الطبقة الناهضة ما كان لها أن تتعايش مع الأحلام الطوباوية للرومانتيكيين ، أو أن تتصالح مع دعاة أنسنة الوجود ، خاصة أنها نجحت في الاكتشافات الجغرافيّة و العلوم البرهانية ، و أصبحت كالنعامة التي كادت أن تطير ، فحق ّ عليها قول الشاعر العربي : " مثل النعامة لا طير و لا جمل " [email protected]