- نجاة باحكيم .. حضرت الطبيبة قلقة للغاية، بعد أن ظهرت نتيجة تحليل السكر للمرة الرابعة على التوالي، خلال ساعة واحدة تنذر بارتفاع متزايد.. أخبرتني بضرورة ترك المستشفى الذي قضينا فيه عشرة أيام دون تحسن، ونقلها لمستشفى آخر، الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. وصلنا إلى قسم الطوارئ، سرير متنقل عرف طريقه إلينا يقوده أحد العاملين يريد أجرته، دخلنا إلى الداخل، لم نجد سريراً فارغاً نضعها عليه.. الطبيب معلقاً. إبحثو لها عن مستشفى آخر الطوارئ ممتلئة عن آخرها.. تركنا دون أن يفحصها.. لم يبال بتوسلاتنا له.. مرت ساعتان وهي في غيبوبة، حضر طبيب آخر.. ألقى بنظرة خاطفة وانصرف.. لحقت به.. أحكي له قصتنا وبيدي ملفها الممتلئ بالأوراق الطبية.. تمعن النظر.. أسرع إليها.. صفعات قوية على وجهها.. لم تفق.. أخبرني بضرورة إجراء تحليل لها الآن.. بحثتُ عن كرسي متحرك.. لم أترك ممراً في أي اتجاه لم أبحث فيه، توسلت لعامل المختبر أن يحضر إليها وسأعطيه مالاً كثيراً.. دفعت سريرها النقال أسير بها نحو المختبر.. ممرات عديدة ومنعطفات، منعطف صغير لايمكن تجاوزه الآن.. حاولت مرور السرير بأكثر من وضعية.. لا فائدة! أناديها.. لاتراني!! مازالت تسبح في عالمها البعيد.. أصابع يديها كقرص ثلج متحجر.. وجدت أحدهم يسير بعربة نقل بضائع.. صرخت أناديه، أتوسل إليه.. ساعدني بالإمساك بها وقفت أسندها فوق العربة وهو يقودنا إلى المختبر.. عامل المختبر يصرخ أحضري لها علبة مانجو مركز فوراً. السكر منخفض للغاية لكن ليلة البارحة كان مرتفعاً أكثر من 450 درجة.. إعمل لها الفحص كي نتأكد. أسرعي لاوقت لدينا.. على مسئوليتي.. تركتها على كرسي صغير إلى جواره، أحضرت لها العصير.. جعلها تفيق برشات من بخاخ نفاث.. أسقيتها بعضاً من العصير.. غرس حقنة تحت جلدها يسحب عينة من دمها للتحليل.. وعرضها على الطبيب للأهمية.. تركتها في المختبر، بحثتُ عن سريرها في الممر لم أجده! عن الطبيب، عن أي كرسي متحرك أو سرير فارغ.. أردت حجز غرفة خاصة في الطابق الرابع.. الكل محجوز لا أمل.. أسير أحدث نفسي.. هل أدعها تموت في قلب المستشفى دون رؤية الطبيب لها.. كنت أسير مغمضة العينين لا أرى شيئاً من غمرة الدموع.. علق ثوبي بسياج السلم الحديدي أثناء نزولي.. إنزلقت من أعلى الدرج بعد أن إنشق ثوبي.. تدحرجت إلى الأسفل.. جزء كبير منه عالق بالسياج وأنا أسفل الدرج.. الدم يسيل من أعلى ساقي.. لم أدر أين ذهب غطاء شعري.. حشدٌ من الناس ينظرون إليّ.. بينهم عدد من الأطباء والممرضين.. الكل يسعى لعلاجي.. عربة تسير بي إلى سرير تم حجزه بأمر الطبيب نفسه الذي رفض علاج أمي.. عدد من السرائر فارغ وأنا على أحدها بمفردي، طلبت إحضار أمي من المختبر لتلقي العلاج وأنا إلى جوارها.. ولم يحضروها.