اليمن اليوم عدنان عبد الحفيظ .. في كثير من المواسم تتحالف الإنزلاقات الصخرية والترابية مع الأمطار والفيضانات والصواعق الرعدية لتشكل في مجموعها أعنف تهديد غير متوقع يواجهه السكان في اليمن . وتبدو هذه المعادلة تحققت تماما في الأيام الأخيرة إذ صاحب الأمطار الشتوية المتساقطة على عدد من المحافظات إنهيارات جبلية وترابية إلى انهيار منازل في الكارثة التي حصدت معها حوالي 11 قتيلا ودمرت اكثر من 900 منزل في 6 محافظات. وفي السنوات الأخيرة تزايد تهديد الكوارث الطبيعية بشكل لافت في ظل غياب برامج مواجهة الكوارث ..وطبقا لبيانات صادرة عن وزارة الداخلية فإن الكوارث الطبيعية المسجلة العام الفائت خلفت أكثر من 500 قتيل بينهم 100 امرأة و80 طفلاً في مختلف المحافظات اليمنية فضلا عن عشرات الجرحى والمفقودين . وحصدت الصواعق الرعدية وفيضانات الأمطار الغزيرة الساقطة على عدد من المحافظات اليمنية أرواح 54 شخصا بينهم 15 طفلا وإصابة نحو 20 آخرين بجروح وفق ما أفاد إحصاء بشأن كوارث السيول . ويعتبر موقع اليمن الجغرافي من المواقع التي تتعرض للأمطار الغزيرة ، حيث تقع معظم أجزاء البلاد ضمن الإقليم المداري الحار في حين تجعل الظروف المناخية والتضاريس الجغرافية المتنوعة من السهول الساحلية والهضبة الوسطى والمرتفعات ، اليمن ينعم بكميات أكثر من الأمطار مقارنة ببقية أجزاء شبه الجزيرة العربية . وتسقط الأمطار في اليمن في موسمين الأول هو الموسم الرئيسي، الذي يبدأ من يوليو ، حتى سبتمبر وهو الموسم الذي تعتمد عليه الغلات الزراعية في البلاد بينما يبدأ الموسم الثاني في أبريل ويستمر حتى مايو ، وهو أقل أهمية ، ويعتمد عليه اليمنيون في زراعة الذرة الشامية التي تعتبر من المحاصيل الأساسية في البلاد ، كما تتعرض بعض أجزاء البلاد الجنوبية الغربية بين وقت وأخر إلى الأمطار الشتوية والربيعية . معدلات سقوط المطر وطبقا للاختصاصيين في الهيئة العامة للأرصاد الجوية فان معدلات سقوط الأمطار تراوح بين 50-100 مليمتر في المناطق الشرقية ، فيما يصل المعدل المتوسط في المرتفعات الجنوبية إلى 800 مليمتر..وغالباً ما تحدث الأمطار بشكل عواصف رعدية شديدة الكثافة. ويفسر الاختصاصيون أسباب حدوث الفيضانات بالإشارة إلى أن الأمطار المتساقطة غالبا ما تحدث تجمعاً فعالاً خلال لحظات ، حيث يتجمع الجريان السطحي في مجاري الأودية محدثاً فيضانات خاطفة ذات سرعة وتدفق عالٍ ثم تنتهي خلال ساعات. وعندما تشمل هذه الفيضانات مناطق واسعة يصبح من غير الممكن السيطرة عليها بالأساليب التقليدية ، الأمر الذي ينتج عنه كوارث تخلف بعدها أضراراً كبيرة في أنظمة الري وجرف التربة وتخريب الآبار والمعدات والمشاريع الزراعية . ويؤكد هؤلاء أن الفيضانات في اليمن تعتبر واحدة من أخطر المشاكل التي تتسبب في تآكل التربة وترسيب كميات هائلة من الرواسب في مصبات الأودية ، الأمر الذي يؤدي إلى فقد التربة في منطقة وطمر أخر بالوحل والطمى والأحجار ، بل أن حيازات زراعية كثيرة جرفتها السيول ولم يعد بالإمكان استصلاحها ، كما أن تآكل المساحات الزراعية وحدوث انهيارات في المدرجات تسبب أضراراً ضخمة ، ويصبح الاستصلاح اما مستحيلاًُ أو إذا حدث فإنه يكلف أضعاف المردود خلال عشرات السنين اللاحقة . في المقابل لا يوجد ضمان لعدم تكرار تلك الأضرار ذلك أن الفيضانات تحدث بتكرار غير منتظم ، كما أن تمويل مشاريع الدفاعات وأنظمة التحكم قد لا تتناسب مع مساحات الأرض الزراعية التي تخدمها ، ما يجعل اللجوء إلى وسائل الحماية التقليدية بالاستعانة بشباك الحيوانات مسألة مفضلة إذ أن المواد الأساسية تتوفر محلياً في معظم الأودية . كما أن الفيضانات الكبيرة التي يمكن التحكم بها والتي تشكل مصدراً رئيسياً للمياه ، فإنها في المقابل تعتبر أحد الأسباب المؤدية للتصحر إذ تضافرت مع إهمال المدرجات الزراعية والمنشآت المائية وخصوصاً في المناطق الغريبة والجنوبية حيث الإنحدارات الشديدة وكثافة الهطول المطري أحياناً. خسائر كبيرة ولا تزال اضرار وكوارث السيول تمثل مشكلة عميقة ومستعصية بالنسبة للكثير من السكان وتطال المشكلة بتأثيراتها الموسمية المدمرة لعديد من محافظات الجمهورية التي تفتقر إلى شبكات تصريف مياه السيول ، بعد أن تآكلت شبكات التصريف القديمة التي بناها اليمنيون القدامى في الجبال والوديان. في العام الماضي أدت فيضانات الأمطار إلى جرف سيارات و مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بالإضافة إلى تدمير عددٍ من المنازل السكنية وتخريب شبكات الطرق وجرف معدات ري وإتلاف خطوط الطاقة الكهربائية وتخريب وطمر آبار زراعية ، وإعاقة حركة السير . وكانت الضالع من أكثر المحافظات التي سجلت حوادث تلاها محافظات عمران ، المحويت ، ذمار ، اب ،حجه ، مأرب ، أبين ، حضرموت وعدن . وبموازاة الحوادث المأساوية المروعة التي يتعرض لها المواطنون خصوصا سكان الأرياف ، تزداد شكاوى المواطنين الذين يحملون الدولة مسؤولية الكثير من الحوادث خصوصا تلك التي تقع على مفترق طرق ومعابر رئيسية بين المدن . ويقول المهندس محمود الشبامي (هندسة طرق) إن الدولة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية لأن الكثير من مشاريع شق الطرق تتم بطريقة عشوائية وتنقصها الدراسة العلمية .. وأحيانا تركن الدولة على مقاولين معروفين بالفساد ما يجعل المشاريع فاشلة وبالتالي تؤدي بصورة مفاجئة إلى مشكلات كبيرة وتزهق فيها أرواح الأبرياء. ويوضح المهندس الشبامي إن المواطن لا يجد وسيلة للدفاع أو الهرب من السيل عندما يسير آمنا في طريق إسفلتي عام ويجد نفسه وسط فيضان مفاجئ . ويتساءل محمد الاصابي عما إذا كانت الدولة تعلم مسبقا بأن الطريق الذي تقوم بشقه وسفلتته هو طريق سيول .. ولماذا لا تعمل على إيجاد حلول سريعة وعاجلة بدلا من التحرك بعد فوات الأوان . ويشير الأصابي الذي يسكن في مناطق جبلية في محافظة ذمار أن حوادث الموت غرقا تتكرر دائما في المناطق التي يسكنها بسبب غياب الاهتمام الحكومي بهذه المناطق وبقائها عرضة لأية كوارث وفيضانات . ويؤكد المسئولون في الهيئة العامة للأرصاد الجوية ، أن كثير من حوادث الغرق والجرف تحدث في المناطق الريفية التي تتركز فيها معابر السيول ما يؤدي إلى وقوع ضحايا .. ويؤكد هؤلاء أن ليس بمقدور الدولة عمل سدود وممرات هوائية وتنظيم خطوط وطريق السيول كون ذلك يحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة . ضحايا السيول وتتحدث التقارير الرسمية عن ضعف كبير في القدرات على مواجهة الكوارث سواء في الدفاع المدني ووسائل الإنقاذ الحديثة أم في غياب برامج التخطيط للكوارث وإمكانية التوقع المستقبلي لها فضلا عن غياب المعلومات الجيولوجية حول الأنشطة الزلزالية والتفاعلات الصخرية في بلد تقع معظم تجمعاته السكانية في مناطق جبلية ريفية . وتشير إلى أن اليمن لا يزال يواجه مستوى مرتفع في مخاطر الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية كما تؤكد أن اليمن ليس في منأى عن وقوع كوارث طبيعية كانت أم تكنولوجية بسبب موقعها الجغرافي والجيوستراتيجي المتميز بتواجده بمناطق معرضة للأخطار . وتخصص الحكومة اليمنية حوالي مليون دولار سنويا لمواجهة الكوارث كما تحصل اليمن على دعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بمواجهة الكوارث بحوالي 740 ألف دولار أميركي لمواجهة الكوارث فضلا عن الدعم النرويجي الذي يصل إلى 28 ألف دولار غير أن الحكومة ترى أن اليمن بحاجة إلى خطة شاملة لمواجهة الكوارث يصعب تنفيذها إلا بجهد ودعم دولي من شأنها ضمان استخدام الموارد المتوافرة والحفاظ على الأمن العام والحد من أية مشكلات كارثية من شأنها التأثير على الاقتصاد الوطني .