اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    اختطاف ناشط في صنعاء بعد مداهمة منزله فجر اليوم بسبب منشورات عن المبيدات    بيان لوزارة الخارجية بشأن مقتل 4 عمال يمنيين في قصف حقل غاز في العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    ضبط المتهمين بقتل الطفل الهمداني في محافظة إب بعد تحول الجريمة إلى قضية رأي عام    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    قتلوه برصاصة في الرأس.. العثور على جثة منتفخة في مجرى السيول بحضرموت والقبض على عدد من المتورطين في الجريمة    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: إعلان أمريكي بإسقاط وتحطم ثلاث طائرات أمريكية من طراز " MQ-9 " قبالة سواحل اليمن    توني كروس: انشيلوتي دائما ما يكذب علينا    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقومات العمل الثقافي المشترك في منطقة الجزيرة والخليج
نشر في الجمهورية يوم 11 - 01 - 2007


عبد الباري طاهر
مركز الدراسات والبحوث اليمني ..
د/عزمي بشاره د/عبد العزيز المقالح عبد الباري طاهر - مركز الدراسات والبحوث اليمني بدءاً ينبغي الإيماء أن الجزيرة والخليج جزء من كل أي من أمة عربية.
كثيرة هي الأمم الموجودة ولكن القليل منها هي التي تتوفر لديها مقومات الأمة في المنظور العلمي:"اللغة المشتركة والتاريخ المشترك والتكوين النفسي العام ويعيشون على أرض واحدة،وتربطهم مصالح اقتصادية مشتركة ،وحتى روابط القرابة بالمعنى البيولوجي فإن الكثير من القبائل العربية من الجزيرة العربية والخليج قد انتشرت في مختلف البلدان العربية، وإن كنا نستبعد رابطة الدم من تعريف الأمة وهو الجذر الذي عولت عليه النازية في تحديد "الجنس الكريه"والصهيونية في تعريف من هو اليهودي، إن العروبة في الوعي العربي والرسالة الإسلامية هي اللسان، فالرسول الكريم يقول"ليست العربية بأم لأحدكم ولا أباً وإنما هي اللسان".
وقد عرف علماء الدين الإسلامي وفقهاء الأمة العربية التي استخدمها القرآن الكريم لدلالات ومعان متعددة حسب السياقات المختلفة، فإن تعريف فقهاء العربية الذي استقر في الوعي بصورة عامة"هو أن الأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما: إما دين أو زمان واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أم اختياراً «1»
هناك عديد من الأمم قد قامت رغم عدم توفر العديد من هذه العوامل المهمة لتكون القوميات وشكلت دولاً قومية.
وإذا كانت الأمة العربية قد حرمت لأسباب عديدة من الكيان الواحد بعضها موضوعي كانهيار الدولة العربية الإسلامية في القرون الوسطى،والانقطاع الحضاري، والتفتت والتجزئة التي شهدتها الأمة لمئات السنين،وطبيعة تشكل دول المنطقة عقب الحربين الكونيتين 1914 1918، 1939 1945م والدور الذي لعبته الزعامات القبلية والدينية في مناطق مختلفة من الوطن العربي وبالأخص في الجزيرة والخليج، وحقاً فإن بصمات العامل الاستعماري البريطاني الفرنسي اتفاقات سايكس بيكو ليست بالبعيدة،وهي وإن كانت عنصراً مهماً في تكون الدولة القطرية إلا أنها قد استندت على تركة قائمة وموروثة،لاينبغي التقليل من أهمية وخطورة العامل الخارجي،فما يجري في العراق ولبنان والسودان والجزائر وحتى مصر، وما تكشف عنه كتبات مستشرقين كبار ومهمين أمثال برنارد لويس وبرجنسكي، تعكس هذا النزوع المحموم لإعادة صياغة المنطقة حسب الطوائف والأعراف والمناطق واللاثنيات المختلفة.وتعبيرات الشرق الأوسط الذي صاغه بيريز من الثمانينيات .وصارت عليه كونداليزا رايس في رسالتها للدكتوراه، وفي نشاطها اليومي ضمن سياسات البيت الأبيض والمحافظين الجدد عقب أحداث 11من سبتمبر2001م هو مفتاح شفرة الحرب القائمة.
والواقع أن الشرق الأوسط الجديد الذي يروج له المحافظون الجدد ليس معطى من معطيات التجربة الأمريكية، وإنما هو إرث بريطاني طبقته الإمبراطورية في معظم محمياتها ومستعمراتها وإن كان التوجه قد يستجيب لمصالح الإمبراطورية الأمريكية الجديدة.
بنيت الدولة القطرية في البلدان العربية من أحجار الواقع القائم وعقلية الاستعمار القائمة على التفرقة، ترافدت المنطقية والتركيبة القبلية الضاربة الجذور في التربة مع المصالح والسياسات الاستعمارية وبالأخص البريطانية في المشرق العربي، والأكثر خصوصية في الجزيرة والخليج، ولكن رغم قيام الدول القطرية فقد ظلت الوحدة العربية كحقيقة موضوعية أكبر من الإنكار أو الرفض.
أدت هزيمة 1967م إلى تراجع الحركة القومية:البعث ،القوميين العرب،التيار الناصري والماركسي كمناهج وتيارات سياسية،ولكن الفترة نفسها شهدت أيضاً تحولات مهمة في العديد من المناطق العربية في الجزيرة والخليج، فقد استقلت ج.ي.د.ش في جنوب الوطن في ال30من نوفمبر1967م وانتصرت صنعاء على حصار السبعين يوماً عام 1968م في فبراير تحديداً.
واستقلت دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر عام1971م وانضمت إليها رأس الخيمة كعضو سابع في فبراير.
مابين العام والخصوصية
فكرة الوحدة العربية لم تمنع قيام دولة الكويت عام 1961م بدعم ومساندة الزعيم عبدالناصر لها في مواجهة دعاوي عبدالكريم قاسم.كما دعم وساند كفاح جنوب اليمن ضد بريطانيا، وأدى ذلك إلى انسحاب بريطانيا من شرق السويس والخليج العربي تحديداً.
في العام 1981م أعلن عن إنشاء مجلس التعاون الخليجي بعد أن مر بمراحل عديدة..وكانت الحرب العراقية الإيرانية خلفية مهمة لهذا المجلس.
صحيح أن مجلس التعاون المغربي قد سبق إعلانه إلا أن الخلافات بين دوله الأهم قد أعاقت عمله وتأثيره.
كان التصور لقيام هذه المجالس بقطع النظر عن التحديات والتهديدات الخارجية هي أن الوطن 1972م وكانت السبعينيات بداية تطورات مهمة في المنطقة كلها العربي متفاوت في النمو والتطور والثروة والبلاد العربية كما يرى مفكر ماركسي مهم هو الاستاذ محمود أمين العالم "فالبلاد العربية تختلف فيما بينها من حيث أشكال الحكم والايديولوجيات السياسية السائدة فيها،ومن حيث الأبنية الاقتصادية المختلفة المتعارضة، فهناك بلاد يغلب عليها الطابع العشائري أو القبلي، وهناك بلاد عربية يغلب عليها تعدد الأجناس والقوميات، بل تعدد الطوائف الدينية، وهناك بلاد عربية ملكية وأخرى جمهورية ،وهناك بلاد عربية نضجت فيها التمايزات الطبقية وأخذت تتحدد وتتشكل قسماتها المتميزة،على أن هناك بلاد عربية أخرى ماتزال تتداخل فيها الأبنية الاقتصادية والاجتماعية السابقة على الرأسمالية..وهناك اختلافات في مستوى المعيشة..وهناك اختلافات في عدد السكان واختلاف في مستوى التطور الثقافي العام والحضاري، واختلافات في الانتماءات السياسية سواء الداخلية منها أوالدولية «2».
إن هذا التفاوت والاختلاف الواقعي والموضوعي هو ما فرض ويفرض السير نحو تجمعات ومجالس تقف على أرضيات مشتركة ومتقاربة ،وإذا ما استثنينا المجلس العربي للتعاون والذي ضم اليمن والعراق والأردن ومصر عام 1989م واتخذ شكل الحلف العسكري فإن بقية المجالس:المجلس المغاربي،ومجلس دول الخليج تتوفر لها هذه الأرضية.
صحيح أن استبعاد العراق واليمن وهما ركنان أساسيان في دول الجزيرة والخليج قد تم في الماضي لأسباب جوهرية،وهو انخراط العراق في حرب مع إيران،وانقسام اليمن بين شمال وجنوب "دولتين متصارعتين إلى حد المواجهة".
نود الإشارة أن التوحيد لأي جزء من المنطقة العربية قد نظر إليه كخطوة متقدمة وكعمل حضاري،قيام العربي السعودية مطلع القرن الماضي،الإمارات العربية المتحدة عام1971م ،الوحدة اليمنية 22مايو1990م ومن هنا فإن قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981م في حمى الحرب العراقية الإيرانية قد مثل خطوة وحدية مهمة باتجاه المستقبل والعصر والوحدة العربية المنتظرة.
ويبقى انضمام أي دولة من الدول الرئيسية في المنطقة يرفد هذا المجلس بقوة بشرية وإمكانات اقتصادية،وبعد سياسي وحضاري.
وحسناً تفعل دول المجلس بقبول اليمن في عضويتها ومساعدتها على التطور الضروري للتوافق مع شقيقاتها الخليجية، فاليمن كالعراق جزء أساس من الواقع الجغرافي والمجتمعي والنسيج العام الحضاري والتاريخي والثقافي والأدبي.
اللغة
شهدت البلدان العربية ميلاد اللغات السامية، وهي ثلا شعب:شعبة جنوبية تمثلها اللغتان "العربية والأمهرية"وشعبة شمالية شرقية تمثلها الأكاديمية بفرعيها: البابلي والأشوري، وشعبة شمالية غربية تمثلها: العبرية والفينيقية والآرامية والاوغارتية،كما تشمل أيضاً لغات البربر الذين يقنطون شمالي افريقيا،وتكتسب لغات هذه العائلة أهمية قصوى لنزول الكتب السماوية "القرآن الكريم ،والتوراة والإنجيل ببعض هذه اللغات.«3»
وقد عثر علماء الساميات على نقوش أربع لهجات عربية قديمة:منها ثلاث كتبت بخط المسند الجنوبي"الحميري"وهي اللهجة الثمودية والصفوية، وواحدة كتبت بالخط الآرامي، وهي اللهجة النبطية.
وقد جاء ذكر ثمود في القرآن الكريم مراراً،وكانوا ينزلون في مدائن صالح وماحولها، وتمتد عشائرهم غرباً إلى البحر الأحمر،وشرقاً إلى جبلى اجاً وسلمى، وقد تردد ذكرهم عند الإغريق والرومان،وفي كتابات آشورية قبل الميلاد ونجدها مبثوثة في الطائف وطور سينا، ومصر وبوادي الحمامات،وربما كان في ذلك ما يدل على أن أهلها كانوا أصحاب تجارة واسعة «4»
وهذه النقوش مع أنها كتبت بالخط المسند الجنوبي نقوش للعرب الشماليين فاللغة التي تعبر عنها عربية شمالية «5»
واللهجة القديمة الثانية الآتية أيضاً من خط المسند الحميري هي اللحيانية، وقد وجدها علماء الساميات منشورة في شمالي الحجاز بمنطقة المعلاء الحالية،ويشير الدكتور شوقي ضيف أن نقوشهم تحمل نفس الصعوبات الموجودة في النقوش الثمودية من نقص الشكل،وحروف العلة والمد والتشديد«6». أما اللهجة الثالثة المنسوبة إلى المسند الحميري في اللهجة الصفوية نسبة إلى جبل الصفاة شرقي حوران ببادية الشام،ولم توجد النقوش به وإنما وجدت في الحرة الواقعة بينه وبين حوران.
وقد عثروا على نقوش منها في مواضع أخرى كالحرة الواقعة في جنوبي دمشق والصالحية على الفرات، وخطها مشتق من الخط المسند الجنوبي كاللهجتين السابقتين «7»
ويضيف الدكتور شوقي ضيف "أن من المؤكد أنها أي النقوش الصفوية والثمودية ذات الجذر الحميري تضور ضروباً من نمو العربية وتطورها في طريق اكتمالها،ومن المهم أن نعرف أن هذه النقوش جميعاً تنتهي بالقرن الثالث الميلادي«8».
الفصحى
ويميل المؤرخون وعلماء اللغة إلى التاريخ لولادة الفصحى بنفس النمارة المؤرخ بسنة ثمانية وعشرين وثلاثمائه،وهو لإمرئ القيس ثاني ملوك الحيرة.وقد وضع على قبره شرقي جبل الدروز«9».
والنقش مؤشر مهم للتفكير العربي في تكوين وحدة سياسية ،فقد شهدت الجزيرة العربية اجتياح الفرس لليمن عام575وظل حتى ظهور الإسلام.
بعد أن هاجم الجيس الفارسي اليمن واستولى عليها في أواسط القرن الرابع لمدة عشرين عاماً حيث استولوا عليها سنة 525«10»
والصراع اليمني الأثيوبي ملتبس ومتداخل وتمتد جذوره إلى التركيبة والانقسامات القبلية في المجتمع اليمني والاثيوبي على حد سواء،وهناك مشترك بين حضارة المنطقتين«11»
وقد ألمح أستاذنا الدكتور عبدالعزيز المقالح في معرض تناوله له عن غياب حقيقي لكتابة التاريخ اليمني إلى اكتفاء المؤرخين بالإشارة مجرد إشارة إلى العلاقة بين اليمن والحبشة كما لو كانت هذه العلاقة لاتستدعي أكثر من ذلك.
مع العلم أن فهم هذه العلاقة يساعد كثيراً على فهم جزء كبير جداً من تاريخ اليمن القديم،وماعرفته هذه البلاد من حروب وحروب معاكسة «12».
ويتساءل الدكتور عن مكان الأدب فيما كتب من تاريخ؟وما حقيقة تلك القصائد المنسوبة إلى التبابعة وماقيمة تلك الحقيقة التي أثبتها الباحثون من أن سفر أيوب كتب في بلاد العرب اليمنيين في القرن العشرين قبل الميلاد..وكان منظوماً شعراً،ثم ترجمة اليهود إلى العبرية،وادخلوه ضمن أسفارهم المقدسة «13»
ويجزم الدكتور المقالح"أن لغة النقش اليمني في واقع الأمر ليس سوى اللغة العربية الفصحى،وأحياناً المشوبة شيئاً من العامية،مع تغيير اقتضته حاجة الكتابة«14»
وينقل السيوطي عن متقدميه في المزهر أن لغة العرب نوعان:عربية حمير وهي التي تكلموا بها من عهد هود ومن قبله وبقى بعضها إلى وقته،والثانية العربية المحضة التي نزل بها القرآن الكريم وأول من نطق بها اسماعيل«15».
ويرى لسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني أن لغة أهل صنعاء بقايا من العربية المحضة،ونبذ من كلام حمير«16»،والهمداني يسمي خط المسند كتاب حمير.
وقد تناول الدكتور جواد علي في موسوعته التاريخية المهمة «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"قصة النقوش والكتابات "تعد النقوش والكتابات في طليعة المصادر التي تكون التاريخ الجاهلي، وهي وثائق ذات شأن،لإنها الشاهد الناطق الحي الوحيد الباقي من تلك الأيام.
ويقسمها إلى قسمين:نقوش وكتابات غير عربية،كتبت بلهجات مختلفة،منها ماعثر عليه في العربية الجنوبية،ويدخل ضمنها تلك التي وجدت في مصر أو في بعض جزر اليونان أو في الحبشة وهي كتابات المعينيين والسبائيين،ومنها ماعثر عليه في مواضع أخرى من جزيرةالعرب «16».
عوامل عديدة لعبت الدور الحاسم في الاصطفاء اللغوي الذي شهدته مدن الحجاز،وتحديداً قلب الجزيرة حينها"مكة"فتحت نير الضغط الفارسي البيزنطي على الجزيرة ومصر وبلاد الشام،واحتلال اجزاء شاسعة من المنطقة العربية.
بدأت الأجزاء "المستقلة"بمعنى البعيدة عن التأثير المباشر للقوتين العظميين حينها تستقطب القوى العربية الحية وتجذبها إليها،فقد أصبحت المدينة"مكة"سوقاً تجارياً مهماً،وممراً للقوافل التجارية في المنطقة كلها، ومحجة للناس ومكان عبادة .وحل خلافات، واحتكام في الأمور الدينية والدنيوية،وعلى مقربة سوق عكاظ الذي يسوق الناس إليه أموالهم وقصائدهم أيضاً.
ليس من السهل تحديد الزمن الذي اتخذت فيه اللغة العربية شكلها النهائي كما يقول الدكتور شوقي ضيف.لاشك أن العملية مرت بمراحل عديدة حتى تهيأت أرضها الخصبة والمقدسة لرسالة القرآن الكريم،وكان الشعر الجاهلي رغم بعض وثنيته ومجونه إحدى البشائر العظيمة بالرسالة العظيمة الآتية.
ولم تكن "لغة قريش"أو بالأحرى لهجتها والشعر الجاهلي الذي غطى مختلف مناطق الجزيرة والخليج غير الاصطفاء للفصحى التي نزل بها القرآن الكريم كإرث حضاري للتطور العام الذي تشهده الجزيرة،وكان الانتصار الحاسم لرسالة الدين الجديد في زمن قياسي تعبيراً عن إرادة أمة جديدة تتبوأ مكانتها تحت الشمس.
توحيد اللهجات
يشير الباحث فكتور سحاب في كتابه المهم إيلاف قريش أن المستشرق فون غرونباوم قد وضع دراسة عن الوحدة العربية قبل الإسلام،وأفرد جزءاً وافياً من دراسته هذه لأكبر الأسواق في توحيد لغة القبائل العربية،وتقريب لهجتها ولاحظ أن خريطة اللهجات العربية كانت شديدة التلون منذ زمن طويل،وأن اللغويين المسلمين فيما بعد وهم يبحثون عن أنقى اللغة وجدوا أن الفروق بين لهجات القبائل حتى ذلك الزمن لم تكن مما يستهان به،فالتفاهم بين أصحاب اللهجات العربية المختلفة لم يكن مطلقاً،وكانت ثمة فروق بين لهجات البدو والحضر، وكانت تلك أيضاً نوعاً من العقبات دون التفاهم،وكانت لهجة كلب في مناطق حكم بيزنطة تبين عن لهجة البادية أكثر من لهجة ربيعة على ضفة الفرات مثلاً،إذ اتخذت لهجة الداخل في عمق الجزيرة معياراً ومقياساً بل ذهب بعضهم في تمييز اللهجات إلى أن الحي داخل القبيلة الواحدة كان أحياناً يقترب من لهجة حي من قبيلة أخرى.
ولذا لم تكن القبيلة دائماً وحدة لغوية،وغالباً ماكانت اللهجات تقسم قبيلة وتجمع أقواماً من قبيلتين وفقاً لتعاطيهما عيشاً مشتركاً«17»
ويرى الباحث أن هذه المساجلات التي شهدتها الأسواق العربية :مكة،عكاظ،نجران،صنعاء، عدن،ذي المجاز،وحباشة،وحضرموت ،وعمان ،والبحرين والمربد وإيلات وحران وبصرى وعشرات الأسواق في طول الجزيرة وعرضها يرى أن هذه المساجلات كانت تجري على صعيد لغوي راق هو صعيد لغة الفصاحة عند العرب،وهي حتماً غير لغة التخاطب اليومي التي كانوا يتداولونها ويربطون لغة التعامل والتخاطب بالتجارة بينما يربط الفصحى بالشعر وأن هناك ست مدارس لغة هي التي تمازجت لتكون لغة أدبية راقية.
كانت عكاظ ملتقى العرب للنشاط الاقتصادي والاجتماعي وهما نشاطان قد يكتفيان باستخدام لغة التخاطب اليومي ولكن هذه الأسواق كانت أيضاً ملتقى العرب لتبادل الأفكار والأشعار والتفاخر والتنافر،ولتنقية اللغة وتصفيتها وتوحيدها، فكان يؤم السوق الشعراء والخطباء والحكماء يعرضون شعرهم أو يخطبون في الناس من مختلف القبائل ويتساجلون،وكان همهم ولاشك أن يفهمهم الجميع،وكان بعض المبشرين يغشون هذه الأسواق وغيرها للتبشير بأديانهم،فكانت منتدى عاماً اعتملت فيه عوامل التوحيد الثقافي واللغوي اعتمالاً أكيداً«18».
الاصلاحات
كثيرة دعوات الإصلاح اللغوي التي دعى إليها مفكرون كبار،وفقهاء لغويون وأدباء وكتاب وشعراء ولكن ذلك مبحث مهم ينبغي دراسته بصورة مستقلة ومكتملة ما يهمنا هنا هو الإشارة إلى أهم القضايا الملحة،فمفكرين كياسين الحافظ يرى أنه من الخطأ الاعتقاد أن اللغة العربية عاجزة بالضرورة عن اللحاق بتطور الحياة العصرية والتعبير عنها بتجديد ووضوح،فالواقع أن هذا العجز ليس سوى تظاهرة من تظاهرات قصور وتأخر الثقافة العربية وبخاصة والمجتمع العربية بعامة،وبقدر ما سيحرز هذا المجتمع وهذه الثقافة من تقدم بقدر ما سيفرض بدوره تقدماً موازياً على اللغة،مادامت وعاء هذه الثقافة وأداتها،لكن ثمة حقيقة:أن التعثر الذي أعاق اللغة العربية بشكل واحدة من العقبات التي تغل محاولة الشعب العربي واللحاق بالحياة العصرية،هذه الحياة التي تشهد طوراً مذهلاً في سرعته،والذي يبدو إيقاع تطورنا أمامه أشبه بتثاؤب «19».
ويشير أنه من السذاجة والوهم في أن القول "إن تخثر اللغة العربية هو كما يقول كثير من منظري الحركة القومية ضرورة يميلها الحفاظ على رباط "هام"به من روابط الوحدة العربية «20».
لاشك أن بعض دعوات تطوير اللغة العربية كانت تنطوي ضمناً على الأقل على دعوة معادية للعروبة وللوحدة العربية،ولاشك أن بعضاً من هذه الدعوات لغباء أو لحقد على العروبة أو اغتراب عنها قلبت المسألة فجعلت تأخر اللغة أمراً منفصلاً عن تأخر المجتمع.
وحولت بالتالي هذا العجز إلى عجز مطلق،كما أنه لاشك أيضاً في أن دعوتها إلى تفريغ اللغة العربية إلى عاميات إقليمية معادية للوحدة العربية إنما يستند إلى نزعات إقليمية معادية للوحدة العربية.
وذلك لأن تكريس اللغات المحكية الإقليميةوأعني هنا السياق العامي الذي يسبغ ضرباً من شرعية على واقع التجزئة«21»،ويقدم الحافظ معالجات لوضع اللغة القائم يتعلق بالانفتاح على تجارب الحياة والعصر وتطور التجارب البشرية،والإدراك العميق لتأخر اللغة وأسباب تأخرها،ويضع الأسئلة الأكثر حرجاً وأهمية «22».
ويقدم الأستاذ مطهر علي الإرياني في "المعجم اليمني في اللغة والتراث خاصة من اللهجات اليمنية"يقدم نقداً مريراً لطريقة تدوين اللغة في المعاجم والقواميس العربية في عصر التدوين.
معروف أن مدوني اللغة العربية بدأوا يجمعون مادتهم اللغوية من المناطق الأكثر بداوة وعزلة عن التحضر والاختلاط:قيس، وتميم،وأسد،وقد أخذوا أيضاً عن هذيل وبعض كنانة،وبعض الطائيين ،أي غير المجاورين للأطراف، أو المختلطين بالأجانب،وكانت اليمن من المناطق التي اسقطت لهجتها لتطرفها واختلاطها بالفرس والأحباش.
وحقاً فإن نقد الإرياني لمكان الاحتجاج مهم،وبحاجة إلى إعادة قراءة ومعالجة أوسع وأشمل «23».
نقد طرائق التدوين والعصبيات القبلية والصراعات السلالية والجهوية والطائفية والسياسية،ونقد المناهج وطرائق التدريس،وإهمال مادة اللغة، والأخطر انتشار الأمية بمعنييها:الأبجدي والمعرفي،وتشير تقارير المنظمات الدولية أن الأمية في الوطن العربي لاتقل عن 60%.
أي أن ثلثي السكان أميون،أما اليمن فإن الأمية في صفوف النساء خاصة قد تتجاوز ال70%.
ولايمكن التغلب على تخلف اللغة إلا بنشر التعليم وخاصة التعليم الحديث،والقضاء على الأمية بمعنييها،وتحديث المناهج والتجديد اللغوي، وإقامة صلات وتواصل بين الأدباء والكتاب والمبدعين والمفكرين والعلماء والأكاديميين والطلاب والمؤسسات المدنية والعلمية، والعمل على دراسة الحياة الفكرية والأدبية في المنطقة، وإقامة دور النشر المشتركة، والمجلات المشتركة أيضاً.
ودراسة الظواهر اللغوية والتمايزات اللهجوية، وتبادل الإصدارات، وإقامة الإتحادات والكيانات المتخصصة والبرامج والندوات والمعارض الفنية.
الدين:
يعد الدين جزءاً أساسياً من الثقافة المشتركة للأمم والشعوب، وأساساً من الشعور النفسي العام، بل هو مقوم رئيسي معبر عن هوية الأمة وشخصيتها وتاريخها عبر المراحل المختلفة.
فقد شهدت هذه المنطقة تنوعاً وتعدداً كثيراً في الديانات القديمة،عبادة الأصنام في الشمال وعبادة النجوم في الجنوب،بل اشترك شمال الجزيرة وجنوبها في عبادة الكواكب:القمر الشمس،والزهرة والشعرى وسهيل والدبران والثريا.
صحيح أن بعض الاختلاف قد يظهر في تراتب الثالوث:القمر،الشمس، الزهرة،كما في الجنوب،أو الشمس ،القمر الزهرة كما في الشمال.
وجلي أن عبادة الأصنام قد سادت أكثر في الجنوب وأواسط الجزيرة،وهو ماتبرزه العديد من الآيات القرآنية وأحاديث النبي الكريم،وكتب السير والتاريخ،وحقاً فإن تعدد الأصنام والكواكب المعبودة لاينفي روح الوحدة،والنزوع التوحيدي في المراحل الباكرة جداً،فالعرب قبل الإسلام كانوا يؤمنون بالتوحيد،والقرآن الكريم في آيات عديدة يؤكد هذا المعنى،قوله تعالى:«ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون»العنكبوت 61الآية
«ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمدلله بل أكثرهم لايعقلون»العنكبوت63
«ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمدلله بل أكثرهم لا يعلمون»"لقمان25"
«ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قد أفرأيتم من تدعون من دون الله»"الآية الزمر 38"
كما أن عبادة الأصنام إنما كانت توسلاً وتقرباً إلى الله.«والذين اتخذوا من دونه أولياء مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى،إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون»الزمر الآية 3
هناك ترابط عميق وقوي بين الأسواق والنشاط التجاري،وقوافل التجارة والحجيج.
«وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم» الحج الآية 27.28 وليست المنافع غير التجارة.
كانت مكة المكرمة والكعبة مدينة مقدسة ،ومحل العبادة والتجارة وعبور القوافل المحملة بالتوابل والبخور والأقمشة، ومنتدى أدبي ومجلس سياسة وقضاء وإيلاف ورفادة وسقاية وملاذ آمن،ومكان عقد توحيد اللهجات والاصطفاء اللغوي، وتجميع اصنام القبائل والمناطق النائية تمهيداً للتوحيد الديني والمجتمعي.
والعرب قبل الإسلام مثل سائر الشعوب الأخرى تعبدوا للآلهة،وفكروا في وجود قوى عليا لها عليهم حكم وسلطان،فحاولوا كما حاول غيرهم التقرب منها واسترضاءها بمختلف الوسائل والطرق ،ووضعوا لها أسماء وصفات ،وخاطبوها بألسنتهم وبقلوبهم، سلكوا في ذلك جملة مسالك هي مانسميها في لغتنا بالأديان.24
صحيح أن انتشار التوحيد والديانات التوحيدية كان متفاوتاً،فالنصرانية في أطراف الجزيرة وبخاصة في الشمال الغربي والشمال الشرقي،وفي اليمن فكان انتشارها بفضل تماس مباشر ونفوذ سياسي وعسكري «25».
ففي الشمال الشرقي للجزيرة كانت النصرانية في إياد في الحيرة وامتداداتها فظل معظم نصارى الحيرة على مذهب النسطورية حتى أخذ المذهب اليعقوبي ينتشر هناك قبيل الإسلام،وفي الأحساء جنوب الحيرة كانت النصرانية منتشرة في ربيعة وبكر،وتميم وكان كثير منهم مجوساً،وإلى جنوبه الغربي في اليمامة انتشرت في بني عجل،وكانت تغلب على الدين النصراني ايضاً،وكانت ديارها بين الحيرة والشام في أقصى شمال جزيرة العرب،وكذلك كندة كان موطنها الأول حضرموت،وكانت هذه القبائل معظم الأحيان ضمن نطاق النفوذ الفارسي يشتد تارة وينحسر طوراً وفق الميزان العسكري،ويستقر أحياناً أخرى تبعاً لقرب القبيلة من بلاد فارس أو بعدها عنها«26»
ويؤكد سحاب أن تعداد اليهود في الجزيرة لم يكن كبيراً كانت الحرب سجالاً بين اليهودية والنصرانية في الجزيرة العربية وكان الصراع السياسي من أهم أسبابها.
ومما يزيد في تأكيد صلة هذا الصراع الغساني اليهودي بالصراع البيزنطي الفارسي أن ابن خرداذبه يقول في كتابه«المسالك والممالك» إن مرزبان البادية الذي عينه الفرس عاملاً على يثرب كان يجمع الضربية للفرس،وكان النضير وقريظة من يهود يثرب تجمع له الخرج من الأوس والخزرج،وفي هذا قال الشاعر:
تؤدي الخرج بعد خراج كسرى
وخرج من قريظة والنضير
أما موقعة الأخدود فإن الباحث سحاب يربطها بالصراع اليهودي المسيحي ولكن شواهد ووثائق تاريخية ومنها"الشهداء الحميريون"تشير إنه صراع بين اليعقوبية والنساطرة أي بين القائلين بالطبيعية الواحدة والقائلين بالتعدد،وكان نصارى نجران أقرب لليعاقبة.
وعلى الرغم من التورط في هذه الصراهات إلا أن النزوع الاستقلالي يظل قائماً فالطبرسي في مجمع البيان يشير أن جيش أبرهة معظمهم كانوا من الأشعريين وعك وخثعم "بعد ما هزم زعيمهم"فلما وصل جيش أبرهة إلى مكة كسر الأشعريون والخثعميون سيوفهم وسهامهم وأعلنوا أنهم أبرياء من أي نية لهدم البيت «27»
التوحيد والرسالة المحمدية
مع بزوغ فجر القرن السابق الميلادي كانت الجزيرة كلها ومحيطها مهيأة لاستقبال الحدث العظيم،فقد وصلت اللغة العربية بشقيها الفصيح والعامي إلى مستوى من الذيوع والانتشار بحيث أصبحت لغة التخاطب في مختلف قبائل ومناطق الجزيرة بفضل التجارة والأسواق والمنتديات على هامش الأسواق والوحدة الروحية التي يمنحها الحجيج إلى الكعبة والطواف والسعي بن الصفاء والمروة.
وكان الشعر الجاهلي ثمرة ناضجة تعد بالآتي،كما أن مناطق في الجزيرة ومن حولها قد وصلت إلى مستوى من التجريد والتوحيد وعبادة الرحمن،ولم تكن الجزيرة كلها جاهلية أو غارقة في عبادة الأوثان،وعلى الرغم من تعدد الأصنام داخل الكعبة حسب التعدد القبلي والمعتقدي إلا أن الإيمان بإله واحد،ووحدة التلبية في الحج قد بدأت تؤثر بعمق في الحياة،وتغزو مختلف مناطق الجزيرة.
كان ظهور الدعوة الإسلامية مؤشر ولادة أمة جديدة، ومؤشر سقوط الإمبراطوريتين: فارس والروم وامتداداتهما في المنطقة،وهو مايفسر أمرين على جانب كبير من الأهمية:السرعة الفائقة التي انتصر بها الإسلام،وتسيد اللغة العربية التي لم تمر عدة عقود حتى أصبحت لغة الدين والفكر والآداب والفلسفة والعلوم المختلفة حينها.
وإذا كان الخلاف على الأمة قد فجر صراعات دامية وكالحة وظهرت أحزاب وفرق محاربة وكلامية:الخوارج ،الشيعة ،والمعتزلة،والأشاعرة بتفرعاتها المتنوعة،فإن اللغة العربية بأفرعها المختلفة من نحو وصرف وبلاغة،وفقه لغة ومعاجم كلها قد ولدت من حول دراسة القرآن الكريم الذي كان إعجازه في بلاغته،وحسن بيانه،وهو مايعني أن الأمة التي نزل بلغتها قد وصلت هي الأخرى إلى مستوى النضح والفصاحة والبيان حد الدعوة للتحدي.
و كانت القرون الثلاثة ذروة تطور الكيان الإسلامي، وبالتالي ازدهار المعارف والعلوم والفلسفة والآداب : شعراً ونثراً.. وطرائق تدوين، وانفتاح على معارف وآداب وعلوم الأمم المختلفة.
تعدد الفرق الإسلامية على كثرتها الكاثرة والمذاهب الفقهية المتعددة شاهد الحيوية الخلاقة ومساحة الحرية الفكرية والعافية العقلية.
وكانت حرية العقيدة عنوان الرسالة العظيمة «لا إكراه في الدين» البقرة الآية 256.
ومن هنا سر انتشار طوائف وفرق ومذاهب لم تكن معروفة من قبل، والملاحظ ان هذه الفرق التي كانت تظهر في هذه المنطقة العربية أو تلك سرعان ماتنتشر في اصقاع الدولة الإسلامية، فالخوارج الذين انشقوا على علي بن أبي طالب في صفين بالشام أمتد تأثيرهم إلى أصقاع الجزيرة ووصل إلى المغرب العربي، أما شيعته وهي كالخوارج ايضاً عدة فرق قد بدأت في العراق وامتدت لتكون دولة في المغرب العربي، ثم في مصر واليمن.
وحتى الفرق المتطرفة كالقرامطة وإن نشأت في البحرين والأحساء وقطر فإنها سرعان ماامتدت إلى اليمن لتكون دولة علي ابن الفضل التي استمرت بضعة أعوام.
وكانت المذاهب الإسلامية قاسماً أعظم ومشتركا في عموم الأرض العربية.
وعندما خيم الظلام والاستبداد بعد سقوط دار الخلافة العباسية 656ه على يد المغول عم الظلام المنطقة كلها، وأمتد السبات عدة قرون، ومع بدايات عصر النهضة وإن بدأ في المراكز الأكثر ارتباطا بالمغرب وبسبب صدمة المواجهة : مصر، المغرب، العراق، وبلاد الشام في نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين فإن التأثر والتأثير سرعان ما امتد إلى مختلف المناطق العربية.
وتتقاسم اليمن والخليج العربي مأثره الإبحار إلى الهند وجنوب شرق آسيا، وكانت مفخرة أحمد ابن ماجد وتلميذه سليمان المهري هو الحفاظ على التراث البحري العظيم ومعرفة أسرار البحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي، وتقديم خبرة علمية فريدة ومتميزة لارتياد المحيط الهندي، والتفرد بالاتجار إلى شبه القارة الهندية واحتكار تجارتها، ولعب التجار العرب والحضارم بخاصة دوراً مهما في نشر الإسلام في آسيا وافريقيا بفضل التجارة، والوعظ بالحال والتعليم.
استخدم البحارة العرب الرياح الموسمية في دفع سفنهم الشراعية إلى الهند وسيلان، والرياح الموسمية تقلب اتجاهها كل ستة أشهر تقريباً، فمن حزيران يونيو إلى شهر تشرين الأول اكتوبر تكون الرياح الموسمية جنوبية غربية تهب من جانب الشواطىء الافريقية صوب شبه القارة الهندية، ومن تشرين الثاني نوفمبر إلى آذار مارس تهب شمالية شرقية، ففي الربيع تأخذ الحرارة فوق سهول التبت في الارتفاع فتتحول وجهة الرياح إلى شمال هذه السهول، وفي الخريف تبرد هذه البلاد وينجم عن هذا أن رياحاً جافة من الشمال الشرقي تأخذ في الهبوب نحو جنوبي آسيا والمحيط الهندي.
ويتساءل فهل كان المكيون يستوردون فقط من الهند وسيلان ولا يصدرون إلى سيلان إلا الأدوات المعدنية ومصدرها اليمن والشام والملابس من القطن والصوف ومصدرها الجزيرة العربية والشام ايضاً، والخمور من العراق.
ويقدم الدكتور مسعود عمشوش في كتابه القيم (الحضارم في الأرخبيل ) والكتاب ترجمة لما كتبه أدباء وكتاب ( حضارم ومستشرقون ) عن الدور الحضرمي بخاصة والعربي الخليجي بعامة في الأرخبيل الهندي.
وهناك مشترك يمني عماني في شرق أفريقيا لم يكشف عنه بمايكفي أيضاً.
ارهاصات الدولة والمجتمع المدني في اليمن والخليج
كانت الخلافات الكلامية والفقهية غالباً ماتتخذ الطابع الحراري والخلافات المذهبية القائمة على التعايش والتسامح ولم تتحول الخلافات إلى صراع وتنازع وتأثيم وتكفير إلا عندما تؤدلج أو توظف للأبعاد السياسية والمصالح و الأهواء الضيقة، فمذهب الإمام زيد بن علي وهو لايختلف كثيراً عن فقه الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان في الفقه، وله جذور معتزلية في علم الكلام يقوم هذا المذهب في جوهره على حرية الاجتهاد والاختيار، وقد أشار متن الأزهار أن لانكير فيما اختلف فيه، وهو مايعبر عنه الإمام الشافعي : «رأيك خطأ يحتمل الصواب، ورأي صواب يحتمل الخطأ»، أو قول الإمام أبي حنيفة النعمان : هذا رأي رأيناه فمن رأى أفضل منه فليأتنا به، أو قول الإمام مالك بن أنس : كل منا مأخوذ من رأيه ومردود إلا صاحب هذا القبر مشيراً إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد تعايشت هذه المذاهب وتحاورت وتركت مذاهب ومدارس حرة وزاكية، ولم تتحول إلى التأثيم والتكفير إلا عندما تسخر لخدمة السلطان.
لقد شهدت اليمن إحياءً دينيا مبكراً ومن بعده قام نشوان بن سعيد الحميري 572ه ومن بعده يحيى بن حمزة 747ه وعلى يد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير 840ه، وأتى من بعده تلاميذه : الحسن بن أحمد الجلال 1014- 1084ه والمجدد محمد بن علي الشوكاني 1250ه ومحمد بن إسماعيل الأمير والعالم الشجاع صالح مهدي المقبلي 1696م.
وكانت مجلة الحكمة اليمانية التي صدرت في الأعوام 1938 -1941م امتدادا للتجديد والإحياء الديني اليمني.
وتواصلاً مع التجديد الإسلامي على يد الإمام جمال الدين الأفغاني 1897م ومحمد عبده 1905م ورشيد رضا 1935م، وعبدالرحمن الكواكبي 1902م.
وكان الطابع العام للتجديد الديني عند المصلحين اليمنيين متعلق بالأساس بالاجتهاد في قضايا دينية ترفض التشدد والتعصب المذهبي، وتقترب بهذا الشكل أو ذاك من المذاهب الإسلامية المختلفة.
أما تجديد الحكمة فإنه نزوع قوي وواضح نحو الحياة والعصر وسنن التطور، ومثلت المجلة مدرسة للإحياء الديني، والإصلاح السياسي والتجديد الأدبي في القصة والشعر والنقد الحديث.
ولم تتوان حضرموت والمهاجر اليمنية عن دعوات التجديد والإصلاح على يد ابن عبيد الله السقاف والشاعر الكبير ابوبكر بن شهاب والحداد والبار والحامد والشاطري وبحرق وعشرات غيرهم.
أما عدن فنجم عن ارتباطها الأوثق بالعصر فقد اتخذ التجديد منحى جديداً ومختلفاً، وكانت مجلة المستقبل التي أصدرها المفكر الكبير عبدالله عبدالرزاق باذيب تعبيراً عن هذا المنحى.
اليمن والخليج والمجتمع المدني
تتسم التركيبة اليمنية بفرادة وخصوصية معينة، فهي كالعديد من بلدان العالم الثالث لم تمر كما يؤكد باحثون مهمون بالمراحل الخمس.
ولم تعرف الخط الواحد لمراحل التطور البشري حسب المركزية الأوروبية «الماركسية» وكما تتداخل مراحل التطور البشري فيها تتداخل أيضاً الفواصل الاجتماعية داخل تركيبتها الاجتماعية.
فالتداخل في الحدود الطبقية ميزة شديدة الوضوح، ومنها لاتنطبق عليها نظرية نشأة وتطور المجتمع المدني الذي عرفته أوروبا، وعبرت عنه النظريتان الكونيتان الماركسية والليبرالية، وتظل اليمن والكويت والبحرين أقرب إلى قراءة المفكر والمجدد الماركسي انطونيو غرامشي في ترسم تجربة ولادة المجتمع المدني.
صحيح أن الدولة الاوروبية الرأسمالية قد بنتها مؤسسات المجتمع المدني بعكس الدولة الحديثة في بلدان العالم الثالث، فالدولة في هذه البلدان هي التي تقيم المجتمع المدني ولعل قراءة تجربة مؤسسات هذا المجتمع في جنوب الوطن تعطي صورة عن نشأته وتطوره وجذوره، ففي المحمية عدن وفي حمى الحرب العالمية الثانية تكونت في مصافي عدن والبريقة نقابات عمالية مافتئت أن تطورت وتوسعت كماً ونوعاً لتصبح جزءاً رئيسياً في المعادلة السياسية على مستوى الوطن كله. كما لعبت النقابات العمالية دوراً رائعاً في التأسيس للحركة السياسية والحياة الصحفية.
فالجبهة الوطنية المتحدة رائدة العمل الوحدوي آتية من النقابات المختلفة فأمينها العام الاستاذ/ محمد عبده نعمان رئيس نقابة المعلمين.. كذلك اتحاد الشعب الاشتراكي، وحركة القوميين العرب تمتد جذورها إلى النقابات العمالية «الست» وكان الاستاذ/ محسن العيني ممثل العمال في اتحاد العمال العرب، كما أن اتحاد الشعب الديمقراطي والمناضل الشهيد عبدالله عبدالمجيد السلفي والشهيد حسين القاضي من قادة النقابات الست، وكانت هذه النقابات هي السند القوي للكفاح الوطني لنيل الاستقلال.
و الدفاع عن الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر، باختصار شديد كانت الحركة السياسة الحديثة وهي جزء اساسي من مؤسسات المجتمع المدني معطى من معطيات تطور الحركة النقابية العمالية : البعث، القوميين ، العرب، الماركسيين، ولم تكن الأحزاب التقليدية : الأحرار و الرابطة معزولة عن تأثير الحركة النقابية.
وازدهرت الحريات الصحفية فشهدت الأربعينيات وأواخر الخمسينيات صدور مجلة الحكمة، وهي مجلة فكرية وثقافية وأدبية رائدة أسست للتجديد الحداثة في مجالات الفكر والإبداع المختلفة.
وفي عدن تأسست عشرات الصحف من أهمها : فتاة الجزيرة، وصوت اليمن، والمستقبل الذي كتب فيها المفكر الكبير عبدالله عبدالرزاق باذيب.
وازدهرت النوادي الأدبية والجمعيات الخيرية والصحف المهاجرة خصوصاً الحضرمية في شرق آسيا وافريقيا.
وكانت هذه الأحزاب والنوادي والصحافة والجمعيات الأهلية والخيرية بداية التحولات الكبيرة في مجتمعنا اليمني.
وقد أسهمت في تحقيق الاستقلال في ال30 من نوفمبر 1967م في الجنوب. وانتصار ثورة سبتمبر في ال26 من سبتمبر 1962م.
والحقيقة أن انتصار اليمن في الشمال والجنوب يعود في جانب مهم إلى دعم ومساندة مؤسسات المجتمع المدني احزاباً. وهيئات اجتماعية ونقابات وصحافة وجمعيات.
المجتمع المدني والقبيلة
المجتمع المدني في اليمن هو النفي الحقيقي للقبيلة كجزء من المجتمع الأهلي - المجتمع السياسي - وقد عدها بعض الباحثين جزءاً من مؤسسات المجتمع المدني. والواقع أن الدولة اليمنية قد ولدت من رحم القبيلة، فالقبيلة والدولة يتمازجان ويتماهيان لكأنهما جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ويرى الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في تعقيب له على مبحث باقر النجار المجتمع المدني في الخليج والجزيرة العربية أن القبيلة قد لعبت أدوارا مهمة في استقلال اليمن.
كما لعبت ادواراً مهمة في الحفاظ على استقراره الاجتماعي عند غياب الدولة المركزية.
كما مثلت دوراً هامة في الحد من طغيان الدولة المركزية، ودكتاتورية الحكام المستبدين، ولاتزال تمثل إلى اليوم دوراً مهماً في خلق التوازن الذي يحد من طغيان القوات المسلحة. وهي بهذا الدور تشكل ما يسمى حديثاً بالمليشيا الشعبية التي استخدمتها بعض الأنظمة لمواجهة القوات المسلحة.
والواقع أن باحثاً اجتماعياً مهماً هو الدكتور/ فؤاد الصلاحي يميل إلى إعطاء دور مزدوج للقبيلة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني يمكن ابراز دور القبيلة كجزء من المجتمع السياسي من خلال تتبع تاريخي لبناء الدولة الحديثة التي برزت عام 1962م بعد نجاح ثورة 26 سبتمبر.
ويعني ذلك الكشف عن جملة العوامل والمحددات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحلية - الخارجية التي ساعدت القبيلة على أداء دورها المزدوج كجزء من المجتمع السياسي وكجزء من المجتمع المدني. وقوة تدين سياسات التحديث لكنها تعمل في الوقت ذاته على إعاقة تنفيذ تلك السياسيات.
والصلاحي هنا يقترب بهذا القدر أو ذاك مما أكد عليه الدكتور متروك الفالح، الذي يرى في دراسته المهمة عن المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية.
فهو يرى ونحن في هذه الدراسة والتي نوظف فيها منهجاً استقرائياً لا تقف عند حدود نقد مفهوم المجتمع المدني بذاته حيث ان هناك من أعفانا من هذه المهمة وهو هنا يشير إلى دراسة نقدية للدكتور عزمي بشارة، يضيف وإنما نحاول ان نتجاوزها إلى نقطة تبدو غير مطروقة من قبل. وهي على غاية من الأهمية كما نعتقد تلك المسألة تتعلق بانتفاء وإقصاء فكرة «المجتمع المدني» في المنطقة العربية وبالتالي عدم فعاليته ؟! ليس من باب قيود السلطة والقيود الثقافية والاجتماعية العامة المفروضة عليه وانما من باب تأثر الانشغالات الاجتماعية وقواها ومنظوماتها القيمية فيماهي تداخلات بين الريف والمدينة العربية. وباتجاه «تزييف المدينة» في فكرة المجتمع المدني، وقواها وفاعليتها باتجاه التحولات الديمقراطية.
ويقرأ تمايز المدينة الاوروبية عن المدينة العربية. فالأولى حاضنة الأشغال الاجتماعي والبنية الثقافية للتكوينات الاجتماعية في إطارها والمسماة المجتمع المدني.
أما المدينة الحاضرة العربية وهي الحاضنة قياساً ليست كمثيلتها الاوروبية، وذلك لأن الانشغال الاجتماعي الريفي وثقافته هو الذي بدأ يستحوذ على الانشغال للمدينة العربية وحاضرتها وقواها وثقافتها، وبالتالي فإن تلك الانشغالات الاجتماعية بعينها وتضافرها مع المنظومة المرجعية الإسلامية ذات الصلة تجعل من فكرة «المجتمع المدني» فكرة بدون معنى أو فاعلية حتى وإن وجدت ويترتب على ذلك عدم الصلة بين المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في البلدان العربية.
كذلك فإن الدراسة ومن تلك المنطلقات ترى توظيف فكرة المجتمع الأهلي بدلاً من المجتمع المدني وبخاصة ان فكرة الأهلي تتجاوز انقسام المدينة - الريف وتحيزاته، وفي الوقت نفسه تدخل عناصر وقوى تقليدية وذات فعالية والتي يستبعدها مفهوم «المجتمع المدني».
وهنا يتفق الباحثان : فؤاد الصلاحي والفالح في رؤيتهما للتزاوج أو التماثل بين المجتمعين الأهلي والمدني والباحثان هنا أيضا لايختلفان كثيراً عما طرحه الدكتور محمد عبدالملك المتوكل في تعقيبه المنوه به.
والواقع ان المزج أو المماثلة أو الدمج بين المجتمع المدني والأهلي لايعبر عن روح الحقيقة الواقعية.
ولايخدم التطور ويستجيب في بعض جوانبه لرؤى وتكتيكات القوى المتسيدة والمستبدة التي يحاربها الباحثون وبالأخص المفكر والمكافح الدكتور متروك الفالح الذي تعرض للاعتقال ونكل به بسبب آرائه العلمية والتنويرية. وقوة المجتمع الأهلي بمافيها القبيلة لايبرر الجنوح للمزاوجة بين المجتمع الاهلي والمجتمع المدني كما يفعل الصلاحي أو إعطاء القبيلة دور مؤسسات المجتمع المدني كما يفعل الدكتور المتوكل.
أو المماثلة والتهميش كما يفعل الدكتور الفالح.
بل إن الفالح يبرأ الاستبداد من دم المجتمع المهدور. ومن إعاقة الديمقراطية وتأسيس المجتمع المدني.
والواقع أن الدكتور عزمي بشارة لاينفي المجتمع المدني وإنما ينقده ويقرؤه بعمق. ويقدم اشتراطات دقيقة ومحددة فهو يرى «ان تاريخ التطور التاريخي » للأفكار لايمكنه العودة إليها بمجرد الاستدارة إلى الخلف والعودة القهقري، وإنما يحتاج إلى عملية حفريات.
إن تاريخ المعرفة يكشف ويعطي ويحلل ويراكم في آن معاً، ومقولة المجتمع المدني قد تكون مفيدة في المعركة العربية من أجل الديمقراطية إذا تم فهمها فهماً تاريخياً أي نقدياً يكشف حدودها التاريخية، وبالتالي الطاقة الكامنة فيها، وقد تكون مقولة ضارة بقضية الديمقراطية، وتحرر الانسان العربي إذا تحولت إلى اداة لتحييدها سياسياً، أي إلى تجنب طرح مسألة نظام الحكم.
وينتقد تقديم المجتمع المدني اجابات جاهزة عن سلطة الحزب الواحد في الدول الشيوعية بايجاد مرجعية اجتماعية خارج الدولة، وهو الرد على بيروقراطية وتمركز عملية اتخاذ القرار في الدول اللبرالية. وهو الرد على اقتصاد السوق على الحياة الاجتماعية والصحة والثقافة والفن. وهو ايضا الرد على دكتاتوريات العالم الثالث من جهة وعلى البنى التقليدية فيه من جهة أخرى.
ويبدو أن هذا الانتشار وهذا التنوع في استخدام «المجتمع المدني» وهو بحد ذاته تعبير عن أزمة سياسية عند حركات التغيير والقوى النقدية، بعد هزيمة الاجابات الجاهزة غير المشتقة من تحليلات تاريخية اقتصادية وسياسية يمنية، وإنما من آفاق فلسفية وأوتوبيات وغير ذلك.
ويقدم نقداً مريراً لحالة المجتمع المدني القائمة مشدداً النكير على القفز على المراحل المختلفة. واستسهال تقديم الحلول الجاهزة، ومن الواضح ان البحث عن العدالة والحرية والمساواة والتضامن بين البشر يتجاوز مايمكن التعبير عنه من خلال الدول الديمقراطية اللبرالية، ويتجاوز حتى ماعبر عنه في دولة الرفاه الاجتماعي وبالتأكيد في اشتراكية الدولة.
ويتسأل ماهو الإطار النظري لمثل هذا التطلع المعاصر بالتوقيت الغربي نحو المجتمع المدني، والذي يميزه عما سبقه من استخدامات؟ أعتقد أن الإطار النظري هو وعي تشكل تاريخياً لمجموعة من التمايزات :-
1- التشديد على الفصل بين الدولة والمجتمع، أو بين مؤسسات الدولة والمؤسسات المجتمعية. كشرط معطي تاريخياً، أو كوعي اجتماعي معطي أو متطور تاريخياً.
2- وعي الفرق بين آليات عمل الدولة وآليات عمل الاقتصاد. وهو شرط متطور تاريخياً مع الثورة الصناعية ونشوء «البرجوازية».
3- تمييز الفرد كمواطن، أي ككيان حقوقي قائم بذاته في الدولة بغض النظر عن انتماءاته المختلفة.
4-التشديد على الفروق بين آليات عمل المؤسسات الاجتماعية وأهدافها ووظائفها من جهة. وآليات عمل الاقتصاد وأهدافه ووظائفه من جهة أخرى.
5- رؤية الفرق بين التنظيمات المجتمعية المؤلفة، نظرياً على الأقل، من مواطنين احرار تآلفوا بشكل طوعي وبين البنى الجمعية العضوية التي يولد الإنسان فيها وإليها.
6- التشديد على الفروق بين الديمقراطية التمثيلية في الدولة الليبرالية والديمقراطية المباشرة «يسميها بعضهم الديمقراطية وجهاً لوجه» والمشاركة النشطة في اتخاذ القرار، نظرياً على الأقل، في الجمعيات الطوعية والمؤسسات المجتمعية الحديثة.
هذه هي الشروط التاريخية «لنشوء » فكرة المجتمع المدني بمفهومها الحديث والمتميز، أي الذي يميزها عن غيرها من الأفكار السياسية في عصرنا، وقد تفصل هذه الشروط بعضها عن بعضها الآخر. وتحمل منفردة دلالات مختلفة للمفهوم.
ورغم كون المجتمع المدني مقولة معيارية إلا أنها مقولة معيارية مرتكزة على تمييزات تحليلية وبنيوية نشأت عبر تطور تاريخي طويل.
وهذه التمييزات تحمل في طياتها فروقاً وتناقضات هي السر ايضا في غموض مصطلح المجتمع المدني وتناقضاته.
حقاً فإن المجتمع المدني في اليمن وغالبية مجلس التعاون الخليجي مجتمع واعد وحديث، ويمكن لهذا المجتمع الآخذ في طور النشأة والتكون أن يلعب دوراً مهماً في تعميق الروابط بين هذه الدول الفتية والحديثة ايضا، كما أن الفن والأدب وأشكال التعبير المختلفة والفنون والآداب لها الأثر العميق في بناء مجتمع متآخ منسجم ومتجانس وموحد الإرادة.
المراجع
1- موسوعة المعارف الإسلامية محمد فريد وجدي ج2 ص 632 نقلاً عن الإمام الراغب الاصفهاني.
2- العالم : محمود أمين الماركسيون المصريون والقضية العربية ط/دار الثقافة الجديدة ص8 بتصرف.
3- الموسوعة العربية العالمية 212 حرف اللام ط/2.
4- توجد الكتب الثلاثة القرآن والعهدين القديم والجديد في مسوداتها الأولى في اليمن بعضها بالخط الكوفي القرآن والعبدين بالخط الآرامي وتؤكد اللهجات اللغوية وجود علاقة مابين الامازيغية اللغة اليمنية القديمة والجديد في مسوداتها الأولى في اليمن بعضها بالخط الكوفي القرآن والعبدين بالخط الآرامي.
5- ضيف د/ شوقي ضيف تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي ص 111 ط/ دار المعارف.
6- مصدر سبقت الاشارة إليه ص 112.
7- يراجع المصدر السابق ص112
8-مصدر سبقت الاشارة إليه 113
9- مصدر سبقت الاشارة إليه 114 - 115
10- مصدر سبقت الإشارة إليه 118
11- مصدر سبقت الإشارة إليه 118 -119
12- تراجع مجلة الحكمة عدد بحث بعنوان جعفر الظفاري فرادة وريادة عبدالباري طاهر.
13- في تاريخ اليمن/ نقوش مسندية وتعليقات مطهر علي الإرياني مقدمة الدكتور /عبدالعزيز المقالح ط/ مركز الدراسات والبحوث ص 18
14- مصدر سبقت الإشارة إليه نقلاً عن «تاريخ اللغات السامية» جودة محمود الطحلاوي ص 19 وتجدر الاشارة أن قبر النبي ايوب موجود في بني حشيش بجوار صنعاء وعلى قبره بقايا من نقش بخط المسند الحميري.
والقبر يزار من مناطق مختلفة من اليمن وخارجها.
15-مصادر سبقت الاشارة إليه ص 28
16- اوراق في تاريخ اليمن وآثاره ج/ص 45 د/ يوسف محمد عبدالله.
17-صفة جزيرة العرب ط/مركز الدراسات والبحوث اليمني ص 278.
18- المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج1 ص 44ط/دار العلم للملايين.
19- إيلاف قريش - د/ فكتور سحاب ص 395 و 396ط/ المركز الثقافي العربي.
20- مصدر سبقت الاشارة إليه ص 297.
21- في المسألة القومية الديمقراطية ياسين الحافظ ط/دراسات الفكر العربي ص 199 ونتذكر قصيدة حافظ إبراهيم
رجعت لنفسي فاتهمت حصياتي
وناديت قومي فاحتسبت حياتي
22- مصدر سبقت الإشارة إليه ص 200
23- مصدر سبقت الإشارة إليه يراجع ص 201-202- 203-204.
24- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ط/ دار العلم للملايين - بيروت ج6ص 5.
25- إيلاف قريش مصدر سبقت الإشارة إيه ص 152
26- مصدر سبقت الإشارة إليه 153، مجمع البيان في تفسير القرآن للفضل بن الحسن الطبري ط/مكتبة الحياة بيروت 1961- ج 30 - ص 237.
27- الإيلاف مصدر سبقت الإشارة إليه ص 273 نقلا عن الطواف حول البحر الاريتري.
28- مصدر سبقت الإشارة إليه ص 274.
29- المجتمع المدني في الوطن العربي ندوة مركز دراسات الوحدة العربية ويراجع كتابي اليمن الإرث وافق الحرية.
30- ثلاثية الدولة والقبيلة والمجتمع المدني د/ فؤاد الصلاحي ص 43 - 44.
31- المجتمع المدني والديمقراطية و الدولة د/ متروك الفالح وهو هنا يحيل إلى مبحثين لمحمد عابد الجابري وعزمي بشارة ص 33.
32- مصدر سبقت الاشارة إليه ص 34
33- المجتمع المدني دراسة نقدية د/ عزمي بشارة ص 7
34- مصدر سبقت الإشارة إليه ص 31
35 - مصدر سبقت الإشارة إليه ص 32.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.