- جمال عبدالناصر الحكيمي عندما يأتي المساء ويحول بيننا المدى وتفرقنا المسالك والدروب، أعود إلى غرفتي واضطجع على فراشي حاملاً الذكريات، فتشتعل في قلبي نيران الحنين وينتابني التوجع والأنين واعتصر على فراشي كالملدوغ من الألم... تنهرق الدموع، فأضم إلى صدري لحافي لوهم قلبي انه «أنت» وأمنية عله يسكن كالطفل الذي تهدهده أمه. وعندما ينتصف الليل يجتمع عليّ برد روحي مع برد الشتاء، فأعمد إلى لحافي أستجير به فما يغني عني «فما يردي برد لحاف»،لكنه برد هجر، وضيم، واجحاف،وغياب عدالة وإنصاف، تهطل عليّ غزير الذكريات كما تهطل الأمطار على أرض يابسة جدباء.. فأتذكر دفء مشاعرك وأحاسيسك، ولكن سرعان ماتنقضي تلك الساعات وأنا وذاكرتي نتلذذ فيك والأماني تنهال عليِّ .. لو أن الأيام سمحت،فأراك لو أن الأقدار رمتك بين يديّ، فماذا أنا صانع فيك؟ ركبت بحار الأماني ثم رسيت على أحد شواطئها المكتوب على أحد لفتاتها:لو أن الأقدار غفت فنسافر من كوكبنا إلى كوكب صغير يأوينا، ليس فيه إلاّ مايكفينا من لذيذ الطعام والشراب، ورياض تستهوينا فنقضي رحلتنا.. كوكب كالحلم، مخصص للسعادة فقط ننسج فيه أحلى قصصنا البريئة ثم تظهر أمامي لفتات كثيرة لا حصر لها مكتوب على كل منها أمنية، فتعبت نفسي من ارهاق الغوص واستسلمت لأمواج الأماني وتهادت بي بين شواطئها، ولم أشعر بنفسي إلاّ في لجة محيطات الأطياف، رأيتك في الأعماق بعد اندحار الظلمات وولجنا عالم الأطياف، لا أستطيع وصف ماهنالك جرى غير بضع ما أستطيع وصفه وتذكره.. أتذكر دفئ تلك المياه حيث كانت مشاعرنا الدافئة تؤانس بعضها بعضا فتعزز الأمان من هول الأعماق،فلقد تشبث بعضنا ببعض مخافة الافتراق والضياع، وقد تحدثنا بلغة الشعور والاحساس، ولم يكن يرى بعضنا إلاّ بالتحسس واللمس، أستيقظت من منامي مذعوراً إثر صيحة أطلقتها دون شعور، كانت نهاية الحلم إذ رأيت سمكة قرش تختطفك مني ثم غيبتك في أحشائها وتوارث كالظلمة،كانت الرجفة تهز كياني، والعرق يتصبب مني، واليأس قد ملأ قلبي.. فأتحسس فراشي لاتحقق من مكاني فأجدني مازلت على فراشي، فاطمئن لأنني سوف ألقاك وأن السمكة لم تخفك عني، وماكان مجرد علم،وعندما يجيء المساء كل ليلة وكل عام تحل قساوة الشتاء وتعصف بقلب كلف،هاتم، متيم رياح السنين، ليسقط الخريف منه كل أوراق المحبة،ولكن لاخوف منك أيها المساء.. إنما الخوف ألاّيلين ذلك القلب الذي قسى،ولئن أتى من أحب أيها المساء فإنك أحب مساء، ولئن كان معي «تحت غطائي» من أحب فلن أخاف بردك أيها الشتاء وإن اسقطت ثلجاً .. وكفى.