- د. عمر عبد العزيز تعتبر اللغة الترميز الأقصى للماهيات والموازين الكونية ،ولذلك فإنها تستبطن كامل شروط الوجود المرئي واللامرئي ،والعربية تلتزم هذا النهج من خلال سياقها الصرفي وميزانها النحوي ،فهي لاتكتب كما تُقرأ كحال أغلب اللغات ،بل أن رسمها المكتوب يعبر عن بعض من كُل ألا تلاحظ أن الصوتيات مضمرة في العربية؟ ،فليس من الضروري أن نكتب الحركات التسع المعروفة «فتحة وضمة وكسرة وفتحتين وضمتين وكسرتين ،وسكون ومد وشد» وبالتالي تبدو لغة العرب موصولة بالتعمية والاضمار ،وهذه التعمية codification ليست مثلبة بل ميزة كبرى ترينا كيف أن المرئي في العربية يتوازى مع اللامرئي ،وكيف أن مقام اللامرئي أسمى وأجل قدراً من المرئي المكتوب ،وكيف أنها لغة تتجاوز البرهان الرياضي الشكلاني إلى آفاق موصولة بالذائقة والغيب ،فالغيب «المجهول» ليس مصدراً للغة فحسب بل أساس للمعرفة ،وعند الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي أن متاخمة المجهول للمعلوم سبب لانجلاء المعلوم ،وأن المعرفة الحقيقية ليست برهانية رياضية على أهمية ذلك بل انبجاسات وتفتقات وأنوار يقذفها الله في القلوب. ينقلنا هذا الاستنتاج إلى مصدر الكون الذي كان«عماء في عماء» يوم أن استوى الله على السماوات وهي دخان غير أن هذا العماء انتج أراض وسماوات وأكوان وتجليات مما لايتسع له الحديث.. العربية بهذا المعنى استطراد على العماء من حيث كونها مفارقة لشمول التوازن الصوتي للتدليل على كل الكلام ،لأننا نكتب الكلمة دون صوتيات ،لكننا نقرأ كل الكلام فنغيب في«التعمية» الابداعية الموصولة بالذاكرة والذائقة ،لكن هذا لايكفي فالكلمة تعيش انزياحاتها الدلالية المطلقة والاشارة تقبع وراء العبارة ،والاتصال غير اللفظي سمة حاسمة في ميزان الجمال والجلال للغة القرآن. الاتصال غير اللفظي اشارة لتعدد اللغات الدالة ،وتعبير عن فضاءات الكلام المتنوعة ،والحاصل أن كل اشارة وعبارة وإيماءة تعبير يوصل إلى الكلام سواء جاء الكلام بوصفه صوتاً أواشارة وإيماء أو ملامسة[email protected]