أبوبكر عبدالله كما حال الأعوام الماضية لم يخل العام الفائت 2006 من مؤشرات استمرار النزيف الحاصل للتراث الثقافي والحضاري اليمني في تهريب الآثار والمخطوطات اليمنية لكنه كان مميزا في أنه شهد ولأول مرة نجاحاً يمنياً في إحباط أكبر وأخطر عمليات التهريب للآثار والمخطوطات والمومياء التي شكلت في مجموعها وفق خبراء الآثار متحفاً متكاملاً . ورغم عدم توفر إحصاءات دقيقة بشأن حوادث تهريب الآثار المسجلة خلال العام الفائت إلا أن المسؤولين في الهيئة العامة للآثار يؤكدون استمرار وتيرة التهريب رغم كل الجهود التي تبذل لمحاصرة الظاهرة والقضاء عليها. وخلال هذه العام الفائت أحبطت شرطة الجمارك في المنافذ البرية والأجهزة الأمنية في المطارات العشرات من عمليات التهريب التي تورط فيها مهربون يمنيون وعرب وأجانب بما فيهم دبلوماسيون ضبطوا عند محاولتهم تهريب قطع آثارية ومخطوطات تعود إلى العصور الحميرية والسبئية . ويقول الدكتور عبد الرحمن جار الله وكيل الهيئة العامة للاثار والمتاحف إن العام 2006 سجل أكبر عمليتي تهريب لآثار قادها مهربون عرب من الأردن والعراق إستهدفت تهريب كم كبير من الآثار اليمنية النادرة والتي لا تقدر بثمن تحوي تماثيل ونقوشاً من البرونز والمرمر والخشب إلى عملات معدنية ومخطوطات ولقى آثارية ثمينة تشكل في مجموعها متحفا متكاملا للتاريخ اليمني. اعتقالات ومحاكمات قياسا إلى حجم العمليات المسجلة خلال العام الفائت فقد كانت المحاكمات التي جرت لمهربين هي الأخرى كبيرة إذ عقدت عدة محاكمات لمهربي آثار يمنيين وعرب كان أبرزها محاكمة المتهم العراقي أياد شاكر الذي أدين قضائيا بالحبس سنة وتغريمه 120 الف ريال ومصادرة المضبوطات التي قدرت بالملايين بعد ادانته بمحاولة تهريب 872 قطعة أثرية متنوعة تضم تماثيل وقطعاً أثرية برونزية مختلفة و 256 عملة أثرية مختلفة الأعمار التاريخية بينها ثلاث عملات ذهبية و 332 قطعة مزورة ومقلدة و 187 قطعة من الموروث الشعبي تنتمي إلى فترات وعصور مختلفة . وفي منفذ حرض الحدودي أحبطت الأجهزة الأمنية محاولة تهريب عدد من القطع الآثارية القديمة عبارة عن صناديق صغيرة إلى أدوات قديمة ولعبة شطرنج وأدوات منزلية ورسومات وجنابي وأغمدة سيوف ومعاطر معظمها منحوت من الأحجار الكريمة والمعادن القديمة ومزينة بالنقوش . كما ضبطت شرطة مكافحة الإرهاب والجريمة بوزارة الداخلية المتهم سمير جاد الله أردني الجنسية واربعة يمنيين في إطار عصابة اتهمت بالتورط في التهريب والمتاجرة بالآثار اليمنية بعدما عثر بحوزتهم على كيلو جرام من الذهب الحميري القديم على هيئة أساور وملبوسات ذهبية إلى قطع آثارية حجرية وبرونزية . كما القت الأجهزة الأمنية القبض على مهرب عراقي وبحوزته أكثر من 700 قطعة اثرية كان يعتزم تهريبها إلى خارج اليمن تحت غطاء ادارة شركة شحن يمنية . ولم تكن عصابات التهريب كلها من العرب إذ القت الشرطة القبض على عصابة تهريب أعضاؤها الخمسة يمنيين كما ضبط في مطار صنعاء الدولي يمني أثناء محاولته تهريب مائة قطعة أثرية ضمن امتعته الشخصية أثناء توجهه إلى ألمانيا وكانت الحادثة هي الأغرب من نوعها إذ تبين أن المهرب أخفى القطع الآثارية داخل أعمدة نارجيلات الشيشة وفي أوعية استهلاكية وكانت القطع تعود الى عصور تاريخية وتتنوع بين التماثيل والخواتم والعملات المعدنية. مومياء ومخطوطات وكانت آخر قضايا التهريب المسجلة محاولة تهريب عدد من المومياوات المحنطة تم السطو عليها من المقابر الصخرية بمحافظة المحويت بهدف المتاجرة بها . وجاء الكشف عن الحادثة وفق محمد راجح مراد نائب مدير عام مكتب الآثار بمحافظة المحويت بعد تلقي الأجهزة الأمنية بمديرية الطويلة بلاغا من مكتب الآثار عن وجود محاولات للسطور على المومياوات ليتم القبض على يمني وبحوزته ثلاث مومياوات محنطة أعترف بارتباطه بعصابة متخصصة بتهريب المومياء . كما تمكنت أجهزة الأمن من إحباط محاولة تهريب أكثر من 187 مخطوطا إسلاميا بينها مخطوط أثري نادر في أكبر عملية من نوعها خلال العام الفائت لتهريب مخطوطات. وبحسب المسؤولين في الهيئة العامة للآثار فإن المخطوطات التي ضبطت كانت تحوي عدداً من نفائس المؤلفات العربية واليمنية القديمة التي لا تقدر بثمن بينها الجزآين الأول والثاني من كتاب (المعتمد في الطب) لسلطان الملك الأشرف عمر بن يوسف بن علي بن رسول مخطوطا بخط يده وهو من أشهر المخطوطات اليمنية في مجال الطب ويتكون من جزئين ويوزع الأمراض والعلل حسب الحروف الهجائية. طرق مبتكرة يشير الدكتور جار الله إلى أن بعض المهربين اتجهوا مؤخرا إلى طرق جديدة ومبتكرة في التهريب عبر المنافذ التي تعاني ضعفا في عمليات الرقابة لتهريب الآثار خاصة بعد إستكمال التجهيزات الفنية والقدرات البشرية القادرة على التعامل مع عمليات تهريب الآثار في المنافذ الجوية . ويقول العقيد عبد الوهاب الكينعي مسؤول الأمن في مطار صنعاء أن الآثار المهربة تخفى غالبا بداخل طرود أو مستلزمات شخصية بطريقة ذكية أو حشوها بداخل مواد عضوية وقد تم اكتشاف بعض الحالات عبر التشييك الأمني بالأجهزة السينية الحديثة والمتطورة التي تكشف محتوى الأمتعة والحقائب دون الحاجة لفتحها . ويلفت الكينعي إلى أنه في حين يتم الكشف عن عمليات التهريب التي يقوم بها مواطنون عرب ويمنيون بسهولة فإن الصعوبة تكمن عندما يتم تهريب الآثار عبر دبلوماسيين ممن يتمتعون بحصانة ويتم لذلك تحرير مذكرات إلى وزارة الخارجية والمغتربين لإعلامها بما أقدم هذا الدبلوماسي على إرتكابه ليتسنى لها اتخاذ الإجراءات المناسبة تجاهه . ويشير إلى أن بعض المنافذ لا تزال تعاني من مشكلة محدودية الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لكشف عمليات تهريب الآثار والمخطوطات والقبض على الجناة لا فتا إلى أن المهربين عادة ما يستغلون الثغرات القائمة للتهريب . ويدعو خبرا آثار الحكومة اليمنية إلى صوغ تشريعات صارمة لمواجهة ظاهرة تهريب الآثار ويؤكد هؤلاء أن الآثار والمخطوطات اليمنية تعد تراثاً إنسانيا ويجب العمل بعزم وقوة للحد من ظاهرة تهريب الآثار والمخطوطات واستعادة ما تسرب منها بطريقة غير شرعية مخالفة للقوانين الدولية التي تحرم تحريماً قاطعاً نقل الممتلكات الثقافية من يد الى يد ومن بلد الى بلد دون مسوغ شرعي. اليمن اليوم