- الشيخ/ أحمد بن أحمد الذماري: - لا بأس من أن يجري المقدمون على الزواج بعض الفحوص الطبية ليتسنى التداوي، حتى لايُورّث المرض للأبناء والأحفاد - الدكتور/ عبدالحميد أبو حاتم: أمراض الوراثة خطيرة.. وضحاياها ليس الوالدان وإنما الأبناء - الدكتور/ سليم الأضرعي: - الفحص الطبي قبل الزواج هو الفيصل، ولا يمكن الفصل بالإصابة بأي من الأمراض المنقولة جنسياً أو عدمها - تحقيق: وهيبة العريقي لا نقول أن الفحوص الطبية على أهميتها شرط يجب التشديد عليه لإتمام الزواج، كأن يشترطها الشاب على من ستكون شريكة حياته أو العكس، فالأمر قطعاً لن يلقى ترحيباً أو قبولاً من الناحية الأدبية والاجتماعية.. وربما ينذر بفشل الزواج قبل تمامه نتيجة رفض الأهل للموضوع باعتباره بني على الريبة وعدم الثقة، وأن فيه إساءة أو تشويه للسمعة، مع أنه مطلب عادي لاحرج فيه ولا اعتراض عندما تتعلق المسألة بالسفر إلى الخارج أو عند الإقدام على التبرع بالدم وقبيل إجراء أية عملية جراحية أو ماشابه..علاوة على ذلك أن الكثير من دول العالم تفرضه فرضاً على رعاياها حرصاً منها على صون مجتمعاتها من أمراضٍ عالية الخطورة وفي مقدمتها الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً..دون استثناءات سنتناول هذه القضية الشائكة بأبعادها ومفارقاتها وظروفها في سياق التحقيق التالي.. مطلب ضروري المقصود بالفحوص الطبية قبل الزواج كما حدده الأطباء المختصون لايعدو عن إجراء تحاليل عادية في مختبر طبي لتحديد فصيلة الدم والتأكد من خلو المرء الذي أجريت له هذه التحاليل من الأمراض المنقولة جنسياً، كالإيدز، الزهري، التهاب الكبد البائي، والبحث في السجل المرضي للعائلة على نوعية الأمراض التي شاع ظهورها لدى أفرادها والتي عادة مايكون السبب فيها زواج الأقارب، على أن يكون الأمر قائماً على القناعة الذاتية بمحض اختيار الشاب والشابة المقبلان على الزواج، مع إقناع الأهل بأهمية ذلك حتى لايلتبس الفهم لديهم. وإن كانت بعض الأمراض لاقبول لها في مجتمع مسلم محافظ كمجتمعنا، مثل الإيدز والزهري، فحاشا أن يكون في الأمر تشكيك أو تشويه لقيم مجتمعنا الفاضلة ومبادئه الأخلاقية. ولايجدر الظن بأحد أنه بعيد عن خطر الإصابة بأي من الأمراض المنقولة جنسياً وهو يغفل أو يجهل الكثير عن أسباب ووسائط الانتقال والعدوى التي لاصلة لها بالعلاقات الجنسية غير المشروعة أو الشذوذ الجنسي. علاوة على أن زواج رجل مصاب بامرأة غير مصابة أو العكس ييسر بلا شك انتقال الإصابة، لا إلى الطرف غير المصاب وحسب، بل أيضاً إلى المواليد. من هنا تكمن أهمية إجراء الفحص الطبي قبل الزواج لاتخاذ وسيلة أكثر فاعلية من شأنها الحد من عدوى الأمراض ما إن يتضح وجود أي منها دون اللجوء إلى رفض أو منع إتمام الزواج. لاقيود شرعية شرع الله الزواج لما فيه من الخير الكثير في استقرار النفوس، وجعل فيه ألفة ومودة وتراحم، فالإسلام يعتبر الإنجاب مقصداً أساسياً من مقاصد الزواج، والأبناء والاحفاد هم نعمة من نعم الله لقوله تعالى: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، لذا حدد الإسلام مايجب على الإنسان تجاه تكوين أسرة، بأن يختار الزوجة الصالحة سليمة العقل والبدن لتكون له عوناً في تربية الأبناء وتعليمهم وإعطائهم القدر الكبير من الاهتمام والرعاية كي يسلكوا السلوك الحسن ويخدموا أمتهم ومجتمعهم.. هذا ماأوضحه الأستاذ/ أحمد بن أحمد الذماري عضو جمعية العلماء اليمنيين، وواصل القول مبدياً رأيه في مسألة إجراء الفحوص والكشف الطبي قبل الزواج: "ماكان في مصلحة الإنسان ويعود عليه بالفائدة فإن الدين الإسلامي يؤيده مالم يكن في معصية. والإسلام أمر بالتداوي والمعالجة من الأمراض وحث عليه، ففي مسند الإمام أحمد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله لم ينزّل داءً إلا وجعل له شفاء، علمه من علم، وجهله من جهل.."، لذلك لابأس في أن يجري من يقدم على الزواج بعض الفحوصات الطبية ليتسنى له التداوي قبل الزواج وحتى لايورث المرض لأبنائه وأحفاده". سلامة الانجاب إن الاهتمام بالصحة الإنجابية والتعامل بمسئولية في هذا الجانب ورعاية الحوامل، وكذا تنظيم الإنجاب بما يتناسب والحالة الصحية للأم والأب على حد ماذكره الدكتور/ عبدالحميد أبو حاتم أختصاصي أمراض الدم بمستشفى الثورة العام من دون شك طريقة مثلى لتلافي إنجاب أطفال يحملون أمراض وراثية أو على الأقل التقليل من تلك الحالات، بل وعنصراً هاماً لضمان صحة الإنجاب يوازي أهمية الفحص الطبي قبل الزواج، وأنه لن يتأتى النهوض بالمسئولية في هذا الاتجاه إلا بتضافر الجهود وتعاون أفراد المجتمع ككل وإدراكهم لحجم المخاطر التي تهدد أو تعيق عملية الإنجاب. أمراض الدم الوراثية الأهمية التي تعول على إجراء التحاليل الطبية قبل الزواج تقوم على أساس وجود أمراض وراثية جداً خطرة، ضحاياها ليس الوالدين وإنما الأبناء، لاسيما إن كان الوالدان يحملان نفس المرض وفي الغالب لايعلمون أولا يدركون نتائجه وعواقبه الوخيمة على أطفالهم.. هذا ما أوضحه الدكتور/ عبد الحميد أبو حاتم؛ وأشار إلى أن من أهم هذه الأمراض مرض نقص العامل الثامن للتجلط «الناعور» الذي يصاب به الذكور من دون الإناث، لكن الأم في العادة هي الحاملة للمرض.. ومن نتائجه الخطيرة تسببه في إحداث تشوهات المفاصل والعجز عن الحركة عند الذكور مما يسبب لهم الإعاقة مستقبلاً، فيبقون غير قادرين على القيام بالأعمال الحركية. أما مرض نقص العامل المساعد للعامل الثامن «عامل فليبران» فتصاب به الإناث ولا يظهر لديهن إلا عند البلوغ؛ إذ يتعرضن معه للنزيف الحاد، إما أثناء الدورة الشهرية أو أثناء الولادة. كما أن من أمراض الوراثة أيضاً مرض التلسيميا «فقر الدم الوراثي» والذي يصاب به الأطفال.. الذكور والإناث؛ ويحدث للمريض تكسرات في الدم، حيث يعمل على زيادة نسبة الحديد لديهم، ويمكن أن يصل بهم الأمر إلى حتمية استئصال الطحال، وبالتالي يجعل المرضى معرضين للأمراض المعدية التي تهدد حياتهم. ولعل أكثر الأمراض الوراثية انتشاراً هو مرض فقد الدم الوراثي الذي يصيب الأطفال ويؤثر على العظام بشكلٍ كبير نتيجة انسداد الأوعية الدموية «الشعيرات»، ويعمل أيضاً على إصابتهم بحالة التكسر الحاد للدم المؤدي إذا لم يتم التدخل طبياً إلى الغيبوبة ومن ثم الوفاة.. عامل ريسس من اليسير جداً تلافي مشكلة «عامل ريسس»، شرط أن يخضع الزوجان قبل الزواج لفحص فصيلة الدم أو حتى بعد إتمام الزواج، فإذا اتضح أن فصيلة دم المرأة سالبة وفصيلة الرجل موجبة وليس العكس، أمكن تلافي وقوع الأضرار الناجمة عن هذا العامل والتي لاتؤثر مطلقاً على الزوجين، بل يرح ضحيتها المواليد.. أوضح ذلك الدكتور/ أبو حاتم، وقال واصفاً الاضرار التي تنتج عن هذا العامل: "عندما تكون الأم حاملة لفصيلة دم سالبة والطفل موجبة، يحدث تكسر في دم الطفل مما يؤدي إلى اصفرار الدماغ وإحداث آثار سلبية يكون نتيجتها التخلف العقلي، وهو ناجم عن الإهمال وعدم مراجعة الأم الحامل للطبيب أثناء فترة الحمل، وعدم فحص دمها قبل الولادة، غير أن الطفل الأول ينجو ولايتأثر بشيء؛ أما الطفل الثاني فقد تحدث له المشكلة، خاصة إذا كان هناك إهمال في تغيير دم الطفل، إذ أنها عملية دقيقة جداً، الأساس فيها عامل الزمن، ويحسب بالساعة؛ ذاك لأن زيادة الاصفرار أو تحلل كريات الدم الحمراء الناتج عن الصبغة القابلة للامتصاص يؤثر على الخلايا الدماغية مما يؤدي إلى وفاة الطفل". الأمراض المنقولة جنسياً الأمراض المنقولة جنسياً كثيرة، وتتسبب فيها أحياء مجهرية شتى؛ وقد اتخذت هذا الأسم كونها تنتقل بصفة أساسية من خلال الجنس على الرغم من أن طرق أخرى عديدة ينتقل ويصيب بها ضحاياه، ولعل أشهر هذه الأمراض الإيدز السيلان الزهري القريح التهاب الإحليل بغير المكورات البنية، هذا إلى جانب التهاب الكبد البائي. ويصف الدكتور/ سليم الأضرعي أستاذ بكلية الطب جامعة ذمار في مستهل حديثه حول الأمراض المنقولة جنسياً، أهمية الفحوص الطبية بقوله: "لابد أن تجرى التحاليل الطبية حتى لانصل إلى مرحلة مخيفة لاسمح الله لايستطيع المرء معها أن يجزم بأنه غير حامل لأي من الأمراض الجنسية، خاصة تلك التي تنتقل بسهولةٍ وتعدد وسائل ووسائط عدواه، فيما لاتتضح أية آثار ظاهرة على حامل العدوى، مثل فيروس الكبد البائي، وبذلك لايمكن الجزم بأن الشخص ليس مصاباً أو أنه ليس حاملاً للمرض، إلا بعد إجرائه الفحص الطبي اللازم لدمه، فهو الفيصل في هذا الأمر". وتشير المصادر الطبية إلى أن كثيراً من الأمراض المنقولة جنسياً تتشابه في نمط معين من العلامات والأعراض، من مثل خروج الإفرازات والقيح كريه الرائحة من المهبل بالنسبة للأنثى ومن فوهة الإحليل عند الذكر، الآلام أسفل البطن عند النساء، انتفاخ كيس الصفن لدى الذكور؛ بالإضافة إلى الشعور بحرقة عند التبول وتورم الغدد الليمفاوية المحيطة بالأعضاء التناسلية، خصوصاً أعلى الفخذ؛ إلى جانب ظهور تقرحاتٍ على الأعضاء التناسلية، كما قد تأتي العدوى في حالات ولايظهر لها أعراض، لاسيما عند النساء. ومن المهم أن نعرف للإيدز شيئاً من الاختلاف في الأعراض، واختلاف توقيت ظهورها، فهي لاتظهر مباشرة، إنما يمر الفيروس الناقل للمرض بفترة حضانة داخل الجسم تمتد إلى عدة سنوات، وقد تصل إلى «10سنوات». ويرى الدكتور/ الأضرعي صعوبة علاج بعض الأمراض المنقولة جنسياً أو أنه لا يكاد يجدي معها نفعاً، مايتطلب بالضرورة عدم المخاطرة أو المجازفة بالتعرض لعدوى تلك الأمراض حتى لاتقود في النهاية إلى التهلكة. وأختتم بالقول: "في حال ثبوت الإصابة بمرض الإيدز مثلاً، فلا حل له في الوقت الحالي ولاعلاج، بل هو معضلة من معضلات الطب.. وهنا لاننصح بالزواج. أما في حالة فيروس الكبد البائي، فلاتزال هناك أقسام ودرجات مختلفة للإصابة، تتراوح بين حميدة وخبيثة، فالحميدة يمكن معها استمرار الزواج، بينما تتسم الإصابة الخبيثة بخطورة عالية قد تفضي إلى الموت بعد صراع مرير مع المرض وتدميره لخلايا الكبد وإصابته بالتليف؛ وفي هذه الحالة يفضل تجنب الزواج تلافياً للعدوى الخبيثة، وبالنسبة للأمراض الأخرى فلا نرى معها إيقاف الزواج إن أمكن علاجها، ولكن يتم علاجها قبل الزواج". وأختم بالقول.. إن العلم ليس له حدود، وباب الحديث مفتوح لما ينتج ومايتم اكشافه من أدوية لعلاج الأمراض المنقولة جنسياً وغيرها من الأمراض التي تؤثر سلباً على سلامة الإنجاب والتي لايمكن علاجها أو يصعب، مايحتم الالتزام بإجراء التحاليل الطبية قبل الزواج لتجنب الوقوع في مشاكل مرضية يصعب أو يستحيل معالجتها، وإن كان الأمر لايخلو من الحساسية، فالواجب ألا يثار حوله الجدل، ينظر إليه بعين العقل، ويبنى على الاختيار القائم أساساً على المعرفة والوعي والقناعة الشخصية التي لايخالطها شك أو ريبة.