انقضى عيد الأضحى المبارك بعد أن خلف لنا معضلة بيئية هامة متمثلة بمخلفات الأضاحي التي انتشرت على نطاق واسع في شتى محافظات الجمهورية وعلى الرغم من تعاطينا مع هذه المناسبة بشكل يخلو من المسؤولية وبصورة فيها الكثير من العبث والعشوائية والقليل من الالتزام..الا أنه ينبغي ألا تمر هذه المناسبة مرور الكرام دون أن تكون لنا وقفة جادة مع هذه الظاهرة الموسمية على الأقل كتوطئة توعوية لتعامل أمثل معها في الأعياد المقبلة وبغية غرس الوعي اللازم ازاءها. ومن المفارقات والتناقضات التي تثير الاستغراب وتؤكد الغياب الواضح للوعي المجتمعي هو عدم إكتراث الإنسان بل وسعيه إلى الإضرار بالبيئة التي يحيا ويقطن فيها..فلما كانت الصحة والبيئة هما وجهان لعملة واحدة والعلاقة بينهما علاقة طردية، وبتعبير آخر لما كانت الصحة بشقيها «الايجابي والسلبي» ماهي الانتاج البيئة التي تكتنفها أو تنبثق منها..فمن عجب أن الإنسان ذاته الذي يشكو ويتذمر من تردي الوضع الصحي البيئي وانتشار الأمراض والأوبئة التي قد تنال منه وتأخذ منه مأخذاً عظيماً، بل وفي بعض الأحايين قد تؤدي بحياته..هو نفسه الذي «في تغييب كامل للوعي» يساهم في انتهاك هذه البيئة التي تكتنفه ويشارك بقصد وبغير قصد في اغتيال الصحة العامة التي هو لايتجزأ منها. ورغم أن درهم وقاية خير من قنطار علاج إلا أن الغالبية يتسم باصرار غريب على الممارسات العابثة والسلوكيات اللا مسئولة التي تعكس البعد عن الوعي والقرب من الجهل.. وهي التصرفات التي بعد ذلك يدفع ثمنها باهظاً. وتأكيداً لما ذهبنا إليه تجدر الإشارة إلى أنه خلال وعقب أيام العيد، أرتفعت الأصوات المنددة بظاهرة رمي مخلفات الأضاحي المنتشرة في الأحياء والشوارع والمدن والمحافظات ، حيث شكى الكثير من المواطنين من هذه المشكلة وأعربوا عن تذمرهم واستيائهم البالغين..بيد أن مايدعو للغرابة هو أن المواطن «المتذمر» ذاته هو السبب الرئيسي الذي يقف وراء هذه المعضلة من خلال ذبح الأضاحي في أماكن غير مخصصة والقاء جلودها ومخلفاتها بطرق عشوائية أمام المنازل والشوارع والساحات العامة، وفي أي ركن مهمل. هذا التصرف غير السليم يترتب جراءه أضرار جسيمة لايدرك المواطنون بل لايريدوا أن يدركوا خطورتها المتناهية..فرغم المساعي والجهود المحدوده التي بذلت من قبل بعض الجهات للتوعية بأهمية جلود الأضاحي وامكانية الأستفادة منها..إلا أنها باءت بالفشل ولم تتبلور في سلوك ملموس حيث لوحظ تفشى هذه الظاهرة السيئة واصرار شبه متعمد على القاء ورمى مخلفات الأضاحي بشكل عشوائي في دليل قاطع على نفوذ «الغباء» الذي يتحكم بسلوكياتنا. وفي إشارة مختزلة إلى الأسباب والعوامل المؤثرة..فسنجد أننا نسهم في صناعة المشكلة من خلال تجنب ذباحة الأضاحي في المسالخ التي تضمن تصريف المخلفات بطرق صحية وآمنة، والاستعانة بجزارين ليس لديهم تراخيص بممارسة هذه المهنة، وايضاً اذا كان لابد من ذبح الأضاحي أمام المنازل فإن ذلك غالباً لايتم في إطار النظافة ومراعاة صحة الناس وعدم تلويث الشوارع والأحياء حيث يظهر بوضوح عدم الاكتراث بوضع تلك المخلفات في أماكن مخصصة وأكياس بلاستيكية..إلى ذلك ثمة عامل آخر يتمثل بغياب الضبط والرقابة إذ أن هذا المظهر يدل على أن الجهات المختصة بالضبط لم تقم بدورها لمنع انتهاك البيئة والحفاظ على الصحة والسلامة العامة. والحقيقة هي أن المرء لو كان على علم وأدراك بجسامة وفداحة المخاطر والأضرار الناجمة عن هذه الظاهرة المزعجة.. وأبسط مثال على أضرار مخلفات الأضاحي هي تلكم الروائح النتنه التي تحاصر الأنوف..بالاضافة إلى تشويه المنظر الجمالي للمدن وتحميل أعباء ثقيلة وأضافية على عاتق النظافة.. ناهيك عن ضياع فرصة الأستفادة «اقتصادياً» من جلود الأضاحي. والمهم والأهم..هو أن هذه المخلفات تعود إلينا بصورة أمراض وأوبئة مختلفة إذ أن مخلفات الأضاحي الملقاة بعشوائية في كل مكان تعد وتعتبر مصدراً رئيسياً للتلوث البيئي والصحي وبيئة خصبة للعديد من الأمراض والأوبئة التي تنتقل إلينا عبر الحشرات الناقلة للسموم..وغير ذلك من النتائج المضرة بالبيئة والنظافة والصحة العامة. ختاماً: العيد قد شد الرحال والمخلفات التي نحذر من أخطارها وأضرارها قد ألقيت بجهل في الشوارع والأحياء والمدن..لكننا حرصنا على هذه التوعية اللاحقة حيث هذه نأمل أن نكون قد فلحنا في غرس شيء من الوعي اللازم لتعامل سليم وأنموذجي مع هذه الظاهرة العيدية، على الأقل في الموسم القادم.