القائم بأعمال وزير العدل يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق دعم القضاء    بليغ المخلافي.. رمزًا من رموز العطاء الوطني    هولوكست القرن 21    0محمد اليدومي والإصلاح.. الوجه اليمني لانتهازية الإخوان    انطلاق بطولة كأس الخليج للناشئين في قطر    شباب اليمن يحيون ذكرى 21 سبتمبر بفعاليات كشفية وثقافية ورياضية    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    حريق هائل يلتهم أجزاء من سوق الزنداني في الحوبان شرقي تعز    نزال من العيار الثقيل يجمع الأقرع وجلال في نصف نهائي بطولة المقاتلين المحترفين بالرياض    بورصة مسقط تستأنف صعودها    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    مظاهرة غاضبة في تعز تطالب بسرعة ضبط قتلة المشهري وتقديمهم للعدالة    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    التخدير الإعلامي والدبلوماسي: قمم بلا أفعال    زرعتها المليشيا.. مسام ينزع 1,103 لغماً خلال الاسبوع الثاني من سبتمبر    قيادي انتقالي.. الرئاسي انتهى والبيان جرعة تخدير    الصحفي الذي يعرف كل شيء    خصوم الانتقالي يتساقطون    بسبب الفوضى: تهريب نفط حضرموت إلى المهرة    وكالة تكشف عن توجه ترامب لإصدار مرسوم يرفع رسوم تأشيرة العمل إلى الولايات المتحدة    ضربة أمريكية لسفينة فنزويلية يتهمها ترامب بتهريب المخدرات    البرازيل تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    قلت ما يجب أن يقال    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ عبد الله أحمد القاضي    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    متفوقاً على ميسي.. هالاند يكتب التاريخ في دوري الأبطال    مانشستر سيتي يتفوق على نابولي وبرشلونة يقتنص الفوز من نيوكاسل    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    محافظة الجوف: نهضة زراعية غير مسبوقة بفضل ثورة ال 21 من سبتمبر    الأرصاد يخفض الإنذار إلى تحذير وخبير في الطقس يؤكد تلاشي المنخفض الجوي.. التوقعات تشير إلى استمرار الهطول    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    جائزة الكرة الذهبية.. موعد الحفل والمرشحون    البوندسليجا حصرياً على أثير عدنية FM بالشراكة مع دويتشه فيله    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    الصمت شراكة في إثم الدم    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طاهش القرية
قصة قصيرة ..
نشر في الجمهورية يوم 07 - 03 - 2007


- مبارك الحمادي ..
«إلى من تتزين تحت شفتيه أجراس المفردات، أستاذي/ ياسين الزكري»
ينصرف كعادته الساعة العاشرة مساءً من منزله، وبمحاذاة الطريق المنخرطة تجاه «مفرق البيرين» يظل يرقب صوحات أطفال لم يبلغوا سن الحلم بعد، أفواههم مملوءة بفتات القات وفي ديمومة المتابعة، يترنم «الخليد» هواءً طلقاً كون الليل غاية في السكون، يصغي جيداً لهموم العمال الذين يتجمهروا قبالة شاشة التلفاز، يحظى بإعجاب حد التقديس من قبلهم، ليس وسيماً أو قسيم، لكنه صريح القول، رصين اللسان، وبلا هوادة قال أحدهم لمن يحاذيه في الجلوس: حين يأتي المسلسل من قناة «B.B.C» أنظر إلى «خليد» كيف يشخص بصره، ويكثر من التدخين، ومن فتحتي أنفه تشاهد سحب سايرة بخطين متوازيين، تواً يردف عليه بالسؤال كيف عرفت هذا؟!!
إنه الشخص الوحيد، يتسلل من هذه القرية لمتابعة هذا المسلسل والأخبار ويظل هنا حتى وقت متأخر من الليل.
عجباً، ولهذا سأركز عليه.
حقيقة حديث الأول عنه واضحة، وذلك لاستحواذ ذاك المسلسل على جل حواسه، ومن أجل متابعته يخاطر المشي في ليل دامس وقاتم الظلمة، وحسب قوله لقرينه «عبدالله» بأنه لاينام دون مشاهدة حتى حلقة واحدة، وذات يوم، لتلقيه قولاً لاذعاً من والدته «ستأتي يوماً.. تلعن فيها مغامراتك الليلية» أثناه القول عن المسلسل، وأضاف إلا أنني لم أنم.. سامرت نجوم الليل دعني أقول لك قولاً ذاع صيته في البادية والحضر: «الجنة تحت أقدام الأمهات»، أياك المروق عن نصحها، بهكذا قدم له النصح الموغل في تأجيج شعلة الضمير.
آه..آه.. لوتعلم..؟!
بما أعلم؟!
ما أعانيه ودعني أقول مثلاً، لكن لاتسألني بعده «مايشعر بالبرد إلا من جداره مريوش» حدثه على غرار لكنه أهل وأبناء الحجرية، ولنباهة الآخر وقع في هوة من الصمت، أستأذن أحدهما الآخر بالإنصراف كلٌ إلى منزله وفي الطريق، يسند «خليد» فكرة حلقة المسلسل على الواقع، ويغدق في إيلاجها أملاً في إيجاد حلولاً مواتية تحول دون تكرار المعضلة، ولغوره في الحلقات الماضية، فهم مضمون المسلسل، وفي اليوم التالي، في ذات المقهى الليلي رأهما يحدقان بحصافة نحوه، لم يعرهما اهتمامه، وبعد إنتهاء زمن الحلقة، يمشط الطريق كعادته، إلا أن هذه الليلة رافقه «أحمد» صديقه الودود في المرحلة الإبتدائية من الدراسة تجاذبا أطراف الحديث، بغية عدم شعورهما بطول المسافة، دون قصد سأله «أحمد».
كثرة مسامرتك للتلفاز وتأخرك عن المنزل حتى في ساعةٍ تقترب أحياناً من الفجر هل شعرت يوماً بشيء اعترض طريقك وأثناك عن الخطى؟!
أوضح ماتريد قوله أكثر؟!
مثل «طهوش»..إلخ
إن سألتني عن الطهوش كما سمعنا الحديث حولها من أسلافنا، لم أجد، وأقول لك حتى إن لم تصدقني، في قريتنا «طهوش آدمية» أحياناً تراهم بأم عينيك يعضون بأنيابهم أرباب الأسر؟! وأضاف قائلاً، كإحداث الفرقة بين المرء وابنه و....و...
بالغت القول ياصديقي!!
ولعدم معرفته مافحوى الكلام، اكتست شفتا «خليد» بالبسمة، وعلى مقربة من منزله يهديه «الكلب تحية الترحيب والنجاة من خفافيش الظلام» «نباحه» يوقظ جميع الجيران، وفي الصباح الباكر أصمت أذنيه خطاباً ذو نبرة في الجبن والغبن معاً، لم يكن يتوقع أنه جاره الشاكي مع نباح الكلب وبأنه يفزع أولاده، مع أنه يتحدى أي غريب من الاقتراب من إحدى المنازل المجاورة لمنزله، انتفض من الفراش قائلاً له: ماذا تريد بعد كل مالاقيته منك طوال السنين؟!
ظل صاغٍياً من حول الحديث المورق في التحدي، فبيّت للكلب سوءاً، فقتله خلسة الأنظار، أفتقده ويظل ينوح خلال ساعات ذاك اليوم، أملاً منه ليعرف من الجاني، وبعد فوات آذان العشاء، خرج يحوم حول المنزل، برهة من الوقت وذهب لمتابعة ذاك المسلسل، ولإقتراب يوم عيد الأضحى المبارك، يعود إلى المنزل بصحبة بعض العائدين من صنعاء وفي قرارة النفس يقول: «كلهم عادوا إلى بين أولادهم إلا هو..» لإنشغال فؤادها به ظلت شاردة الذهن، أحست بأن شيء ما، أسمته «حزن» يقطن هذه الأيام بصفائح مخيلته، همس رجليه في سلم المنزل، أيقظها جيداً، سامرته في عشه، رأت الأسى قاطناً بناصيته.
سألته: بماذا تفكر ياولدي؟!
أفكر ياأماه.. بمن أبتاع براءتي وافترس ربابة طفولتي.
داعب جفنيه الكرى ووقع في سبات عميق، هي أقسمت بأن «التبيع» سيكون ذبيحة عيدهم، وفي الصباح الباكر استيقظ على غير عادته، ولغوصه في النوم، بزغ أثر الراحة على وجهه، أخبرته، «ستذبح «التبيع» في العيد شريطة أن تمتنع عن الذهاب إلى «مفرق البيرين» في الليل.
أماه، عهدتك، رقيقة الفؤاد، جياشة، اليوم آخر حلقة من المسلسل، إثرها لن أخرج من المنزل في الليل.
إتفقنا، هكذا أجابته.
هكذا يحدث ذاته في غضون أيام قلائل سيأتي العيد، سنمضغ اللحم و... وفي ليل هذا اليوم ظل متسائلاً عن سبب تأخر المسلسل عن الوقت المألوف لبثه، حتى الساعة الواحدة مساءً أنتهت الحلقة الأخيرة، عاد وحيداً وعلى بعد بضعة أمتار لاتتجاوز عد أصابع اليد الواحدة، رأى أعين شبيهة بضوء سيارة قادمة نحوه ببطء.. وقع أرجله ذات ضربات رباعية، يا إلهي: هذا طاهش ومن هول الفجيعة لم يستطع أن ينبس بصوت واحد، عدا تماسك أعصابه، أختفى عن ناظريه محاذياً الباب الخلفي لمنزل جارهم، شعر بأنه غير مغلق بإحكام ومن شرفة الدار، وضع بين يديه حجرة صماء ورشقه بها، وإثر خواره الأخير المفارق للحياة، علت صرخاتها من الداخل «سارق أخذ التبيع».
تجمهر الناس وإذا بأحدهم عثر عليه مرمياً قبالة باب منزل الجار.
جارنا، قتل الكلب والآن سرق التبيع وذبحه؟!
يا أم خليد يبدو أن هذه الحجرة أجهضت حياته، هكذا يقول الحاج «علي» أحد المغيرين بحثاً عن السارق، ولإقتراب الوقت من آذان صلاة الفجر، مر قيم الجامع ذو لحية مخيفة وصوت مفزع قائلاً:
هذا المنزل يقطنه الجن من زمان؟!
هل الجن ينتشلون الحيوانات؟! هكذا تسأله.
بالطبع وخاصة الكافرين.
أما الحاج «علي» قال: سمعت قولاً بأنك تشاجرتِ مع «الخادمة» وربما بثت للبيت «زيران».
ياإلهي، وإذا بها تسأل أين ولدي، اليوم تأخر، هل وهل...؟!
وإذا بأحدهم يطيل ضوء كاشفه إلى أعلى المنزل رأه مسدلاً البصر نحوهم.
إنه هناك؟!
ولإرتفاع صيحاتهم نزل طواعية والرعشة المخيفة خالجت فؤاده، دون أن يسأله أحد قال: حين رأت عيناه شبيهة إلى حدٍ ما بعيون السيارة ماشياً تجاهي على أربع ظننته «طاهشاً» فصعدت منزل الجار وأمطرته بهذه «الحجرة» خابت رؤى المفسرين وعاد البعض إلى داره ضاحكاً فيما أمست هي تلوك وجعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.