منذ القدم وإلى اللحظة ارتبطت اليمن وبعض مدنها وحاضرها في الذاكرة العربية والإسلامية والعالمية بعدد من الصناعات والمنتوجات ذات الجودة والإتقان والشهرة منها السيف اليماني والحسام اليماني، والعقيق اليماني والبرود اليمانية، والنعال الحضرمية، والنصال الصاعدية نسبة إلى «صعدة» والعسل الدوعني والثياب السحولية والبن اليمني... إلخ. وفي هذه الإطلالة نتوقف مع لمحات عن البخور «العدني» نسبة إلى مدينة عدن «ثغر اليمن الباسم» وحضنهم الدافيء ، الذي طبقت شهرته الآفاق وتجاوزت جغرافية الوطن اليمني.. والذي دخل في تركيبته وصناعته مزيج عجيب ورائع من كل أنواع العود الأصلي وأنواع العطور بمختلف نكهاتها وجودتها ، وهي ترتبط بما شهدته مدينة عدن في الخمسينيات والستينيات من القرن الميلادي الماضي باحتضانها لأشهر وأكبر شركات العطور والعود الكمبودي والند. ناهيك أن البخور «العدني» يأتي امتداداً لدور ميناء عدن التاريخي والاقتصادي في التصدير والتجارة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد عبر الملاحين الذين كانوا يجرون إلى أرض الصين وشرق آسيا، إضافة إلى تجارة القوافل التي كانت تحمل البخور والعود واللبان من اليمن عبر ميناء عدن إلى غزة في فلسطين ثم إلى مصر ومنها إلى العالم. كما وأن مدينة عدن وهي حاضنة لعدد من الجاليات الهندية والباكستانية وغيرها فقد تمازجت كل هذه الخبرات مع الخبرة اليمنية لتصنع شيئاً جميلاً اسمه «البخور العدني». إنه يعطر صباحات وليالي عدن بذلك الشدى من السحر.. ويملأ أزقتها وشوارعها وشواطئها نشوى.. ومتعة.. فيما يتهافت أبناء عدن والزوار والسياح على اقتناء هذه السلعة العطرية التي غدت عنواناً من عناوين عدن الرائعة وأفضل الهدايا على الإطلاق. ولاشك أن دخان البخور العدني وأريجه الطيب يسطر أمام ناظريك صفحات ومشاهد من حكايات اليمن السعيد، وتمضي معه على طريق قوافل الخير إلى مدن ومرافىء الدنيا. ثم لايتوانى الدخان المتطاير من البخور العدني أن يكتب أحلى رسائل الشوق والغرام لمن نحب.. ويبعث في القلوب ذلك الود من الشجن. نعم لقد اختزل البخور «العدني» حكاية وعشق مدينة يمنية لها في الأعماق والذاكرة محبة واعتزاز.. ومنحك جواز سفر وتأشيرة دخول إلى معالمها.. «صيرة» و«الصهاريج» ومنارة عدن ومسجد أبان وبوابتها العتيدة، وغدا دليلك السياحي. ثم عندما يتعانق ويمتزج البخور «العدني» مع الفل والكادي والمشموم، تصبح عدن كل عدن عقداً من العطر والجمال والدهشة !! فيما يغدو ليلها أغنية «عدنية» مترعة بأسمى المشاعر والعواطف !! فكيف للمرء أن يكون جازع طريق وفي مدينة حبلى بهذا الأريج . ؟!