جولة قام بها : فكري قاسم (المكلا) (الحلقة الأولى) يعتز الحضرمي بنفسه ، شأنه شأن غالبية اليمنيين . إلاّ من أفراط السياسات على مر المراحل التاريخية بأنهاكهم. ولهم مزاج غير المزاج السائد في عديد من مدن اليمن. تبلغ مساحة حضرموت (161749) كم مربع . بنسبة 36% من مساحة الدولة. ومن حيث الجغرافيا فهي عبارة عن أراض هضبية وصحراوية تتخللها هضبة حضرموت ثاني بهضبات الجزيرة العربية بعد هضبة نجد ، كما تطل حضرموت على ثلاثة منافذ بحرية هي البحر العربي وخليج عدن والمحيذ الهندي من جهة جزيرة سقطرى. وأما المنفذ الرابع لحضرموت ، هو لامحالة أقصى الشمال من جهة القلب تماماً. يقول مهيوب صالح الحبيشي (37) وهو أحد العمال في مجال البناء : الناس في حضرموت طيبين ، ويقدروا الذي يشتغل بأمانة .. وأردف بنبرة يخالجها وجع طفيف " «صح يقولوا لنا دحابشة أحياناً ، لكننا نضحك ، لأننا لا نعرف من يقصدون بالضبط .. هم يقصدون متُهبشين الأراضي». والمزاج الحضرمي عموماً لا يطيق «الهنجمة» ويمقت جهراً شهوة الإستعلاء ، والعيش بنفوذ المنصب، أو نفوذ السلطة الرخوة !! وتقول جميلة بانقيطة (25) سنة أن حضرموت بالنسبة لها أجمل مدن اليمن ، وتبدو كثيرة الاعتزاز بتاريخ المدينة الحافل بالأسماء والشخصيات ، وبالأماكن الساحرة التي استحقت أن يتغنى بها الفنانون والشعراء ، وأضافت كمن حضرموت ذات يوم صباحية شعرية لأمرئ ؤ القيس : يكفي أن امرأ القيس أعظم شعراء الجاهلية ، ولد هنا ، وأن المحضار أيضاً ولد على هذا التراب. كمن يلبس فانيلا صوف ؟! قديم حضرموت ، مُغري ولافت للنظر كما هو حديثها ولو أن بعض الاسمنت الحديث لم يحترم طابع المدينة المعماري على نحو خاص. القمرية ، ذات الطابع المعماري لمدينة صنعاء وما جاورها من مدن الجبل ، تبدو في بعض البناء الحديث في حضرموت ، كمن يلبس فانيلا صوف، فوقها جاكيت جلد ، في عز الحر. إن من يفعل ذلك، سيتلقى حتماً تعليقات، هنا وهناك ، تسخر منه فيما يتعلق بمسألة الذوق طبعاً. لكن .. ماذا عن إسم حضرموت ؟! البعض يقول إنها نسبة للحضر ، ولمدن الموت التي خطفت الأبناء بحثاً عن الحياة خلف مياه البحر الذاهبة إلى الهند وأندونيسيا وغيرها. لكن التسمية الأقرب إلى الصحة ، قد وردت في كتاب المعارف للبستاني ، أن حضرموت نسبت إلى عمار بن قحطان الذي لقب بحضرموت لأنه كان إذا حضر حرباً أكثر من القتل ، فأصبح يقال عنه عند حضوره : «حضر ، موت» .. ثم أطلق ذلك على الأرض التي كانت بها قبيلته أي اسم «أرض حضرموت». ويشير الحسن الهمداني إلى أن نسبة الغسم تعود إلى حضرموت بن حمير الأصغر. غير مرة كتب زميلي «صلاح الدين الدكاك» : المدن أشبه بالنساء ، يحرصن على إخفاء أعمارهن . ووحدها المكلا لا تخفي عمرها الذي يمتد مئات السنين. عبر هذا التاريخ شهدت المكلا أكثر من حاكم وقرصان طامع شغف بها لكنها ظلت بمثابة أرملة عذراء. صلاح عميقاً كالبحر .. أنيق اللغة والروح ، بعيداً ، قريباً إليَّ مثل المكلا تماماً