مثل البُطين الأيمن والأيسر، تنقسم حضرموت إلى قسمين- حضرموت الداخل وحضرموت الساحل.. المكلا (وعاصمتها الشحر).. ثم الديس الشرقية، وحجر، الريدة، قصيعر، الحامي، غيل باوزير، غيل بن يمين.. تلك هي حضرموت الساحل. وأما الداخل فهي سيئون، شبام، عندل، حورة، تاربة، وتريم، (العاصمة الدينية والعلمية).. إضافة إلى "الهجرين".. ويقال عنها أنها أمنع البلدان الحضرمية وأفضلها تحصيناً، وتبدو الجزيرة تتوسط مجرى وآديين أو أدي "الغبر" غرباً، و"دوعن" من الشرق. من حماقتي، أنني- طيلت فترة زيارتي للمكلا- ظللت إلى جوار البحر، أشبه بتائهٍ ينتظر قارب نجاة سيأتي ويأخذهُ أو ربما كنت أنتظر عروس البحر متى تخرج لأدهش نفسي بها. بعض الحماقات لا تغتفر، وبعض الُمدن عتابها لا يُحتمل تماماً كمدينة حضرموت. بين الُمكلا (حضرموت الساحل) وسيئون (حضرموت الداخل) مسافة (6)ساعات في بطن السيارة. ربما لم يرقني مزيداً من السفر، صرت أكره الخط الطويل، ذلك لأنني (هذه المره دخلتها براً، وطويت في بطن الباص من عدن إلى المكلا قرابة 12 ساعة، أكلتُ خلالها ثلاث جُرع من أعواد القات، وحفظت (صم) أحداث وأغاني وأسماء ممثلي ثلاثة أفلام هندية! الخط طويييييييل، وسائق الباص يُدخن، ويمنع الُركَّاب من التدخين. خرجنا من عدن (7) مساءً، مع اثنين من أبطال الأفلام الهندية التي شاهدتها فوق الباص. نجى بطل الفيلم الهندي الثالث من موت كان مؤكداً، لولا أن حبيبته طلعت بنت ناس ونطت بخيل- ريت الباص كان بسرعته- لقمت لنجدته. نجى البطل، ونجوت من عقوبة منع التدخين إذ جلست إلى جوار السائق. وقليلاً قليلاً، بعد أن انهيت علبة سجائري، لاح الضوء، وبدأ شاطئ بروم يتسلل بزرقته، ويوزع نسمات هواء باردة.. إنها المُكلا.. حيث شيء هناك يخطف قلبك، البحر، والناس، والإتساع الموزع بإفتتان. ولا بأس من فاصل الآن أقرا لكم فيه حالة الطقس طيلة العام. تخيلوني الأن أمام شاشة التلفاز أقرا عليكم التالي:- مناخ حضرموت بوجه عام جافاً ومُلائماً للصحة. والتغير في الطقس بين الساحل والداخل محسوساً حيث يسود حضرموت المناخ المداري الحار، فتبلغ درجة الحرارة 40 درجة مئوية في الصيف في المناطق الداخلية.. أما في المناطق الساحلية فتبلغ درجات الحرارة 36 درجة مئوية بسبب هبوب الرياح الموسمية. (أوووف.. أنا نفسي ضبحت، كيف أنتم ؟ من ضاق عليه يغلق التلفاز). وفي الشتاء تميل درجة الحرارة إلى الإعتدال في المناطق الساحلية فتبلغ درجات الحرارة من 30 إلى 34 درجة مئوية. أما في المناطق الداخلية فتبلغ درجات الحرارة من 17- 30 درجة مئوية. أشعر بجد، أنني مذيع طقس ممُل، وقد أسبب لكم صداعاً لا ينتهي على مدار الفصول الأربعة. أسف بجد.. رائحة السفن ؟ الوجه التجاري «للمكلا» ليس وليد اللحظة إنه يمتد إلى قرابة «300» سنة وهو عمر مدينة «المكلا» وربما إلى ما قبل ذلك. البحر المفتوح أمام أبناء حضرموت لم يفتح شهيتهم للصيد فحسب بل وللاتجاه إلى ماهو أبعد إلى اندونيسيا وكينيا والهند. والسفن كانت وسيلة لنقل البضائع والناس والأفكار أيضاً. ولقد عُرفت «المكلا» لدى النواخيذ وربابنة السفن بسوقها المفتوح وسمعة تجارها ومرونة القوانين والأنظمة فيها، لذا فضلوها وكانوا يرتادونها أكثر مما كانوا يرتادون عدن. فلاش باك فناجين الشاي، وأوراق «القات» المحفوظ بلفافة من القصدير .. ومجموعة من الوجوه الحضرمية في مقيل أعاد تاريخ حضرموت كله دفعة واحدة ولم أشعر بعده أي المقيل الحضرمي بأي انتفاخ في البطن لأنني استغنيت عن زجاجة البيبسي ودفعت عصارة القات إلى معدتي بفناجين شاي. فضلاً عن أن ما قيل عن حضرموت قديماً حسب معلومات نخبة من الحاضرين في ذات المقيل دفع بلحظة الكيف إلى منتهاه. عرفت المكلا أول مصنع لتعليب الأسماك في العام 1952م. وابتكر السلطان/صالح القعيطي تدابيراً جعل من «المكلا» سوقاً حرة غير معلنة. افتتح في عهده أي «القعيطي» 3 مطارات مطار فوه ، مطار حضرموت الداخل «شبام» مطار الشحر وأخيراً مطار الريان عام 1948م. وفي وقت كان « الحمار» أهم وسيلة عصرية لدى عدد من المدن اليمنية باستثناء عدن طبعاً وافتتح السلطان «القعيطي» خمس نقاط جمركية.وأوجد مكاتب، وجوازات، ومراسي للسفن في كلٍ من «بروم» والحامي» والديس الشرقية» وفي «قصيعر» وآخر في الريدة الشرقية. هذه المراسي جعلت المراكب الشرعية ترسي في أي مكان دون الدخول إلى المكلا وبعد انتفاضة السفن الشراعية في السبعينيات تم تأسيس جمعية النقل البحري ثم تم التأميم على السفن الشراعية عام 1972م. ويذكر المؤرخ بامطرف أنه كان في ميناء «المكلا» أسطولاً يعرف باسم أسطول «أهل الحامي» وقدر عدده ب«40» سفينة شراعية وظل نشاطه حتى الستينيات