يؤمها كثيرون .. ومعظمهم مثقفون .. وفيها يستكملون نقاشاتهم ويدلون بآرائهم ويحللون كل جديد محلي وإقليمي وعالمي. بوفيهات لا ينزع أصحابها إلى السياسة ولا يستحبون أن يناقشهم أحد في موضوعاتها .. لكنهم يتيحون للجميع أن يتحلقوا حول طاولات بوفيهاتهم ويتناولون مع ما يطرحون ويناقشون ويسرون ويعلنون، من أسرار وأخبار بعض «السندويتشات» الخفيفة .. ويشربون أكواباً من الشاي الأحمر وبالحليب .. الذي صار عادة يومية لهم بعد العصر أو عقب «خثلة القات» وصلاة المغرب. البوفية في تعز .. ونظائرها في العاصمة وبقية المحافظات تحولت إلى مقهى ثقافي سياسي يلتقي فيه المثقفون والحزبيون فيشم بعضهم أخبار بعض ، مع استنشاقهم الهواء في ظل الأجواء الحارة هذا الصيف في جلسة لارتشاف «قلاص شاي أو عصير».. وتحولت البوفيهات والمقاهي إلى متنفسات وأماكن للالتقاء بين الأصدقاء .. وحتى لإجراء النقاشات حول موضوعات خصوصية وأسرية .. وهي ميزة عربية وخصيصة يمنية، أغرت بعض أرباب الأموال الصغار إلى الاستثمار في عمارات ببوفيهات..وترسخت كثقافة في أذهان مستثمرين في العقارات والعمارات ، بحيث تتخذ لها مواقع خاصة وممتازة على الطرق الرئيسة أو الشوارع ذات الحركة في عواصم المدن. الاستثمارات في العقارات تكاد تكون طاغية عليها الاستثمار الدكاكيني ، حتى أن أرباب البيوت والعمارات خاصة المغتربين الذين يحظون بوافر من فارق العملة باعتبارهم يمتلكون ملايين بالريال السعودي أوالدولار الأمريكي مما يعطيهم النصيب الأكبر للفوز بصفقات شراء أراضٍ وعرصات للبناء، لكنهم يفتقدون مع الأسف للتخطيط الصحيح .. إذ أنهم لايزالون مبرمجين رؤوسهم على أن عماراتهم لابد أن يكون «البدروم» فيها مطلاً على الشارع بصورة دكاكين ليتم تأجيرها كبقالة أو بوفيه أو غيرها. لقد ترسخت في أذهان أصحاب الأموال ممن يستثمرون ومازالوا في البناء ان أفضل عمارات وأكثرها ربحاً ما كانت مطلة على الطرق الرئيسة وفي قلب المدن ،وذات دكاكين حتى ليمكننا القول : إن بعض المدن بسبب هذا الفكر الدكاكيني قد غرقت في سيل من دكاكين البوفيهات والبقالات وحوانيت صغيرة مثبتة في جدران البيوت والعمارات، وقد أسهم ذلك في تشويه الجمال التخطيطي للمدن ، وزيادة الزحام الذي تسببه عشرات الآلاف من الحافلات إلى جانب عشرات الآلاف من الناس ممن يرتادون المقاهي والبوفيهات وحوانيت الخدمات الأخرى الجالبة للمواطنين اليها. إننا لسنا ضد فتح بوفيهات أو بقالات أو مقاهٍِ ، وانما نطالب بتغيير فكر الاستثمار المعتمد لدى صغار المستثمرين وتطويره لتكون استثماراتهم متوافقة مع متطلبات الحياة المتطورة في بلادنا .. وأن تحول تلك الحوانيت أبوابها ومقارها بعيداً عن الطرق والشوارع الرئيسة إلى الفرعية بحيث يمكن للذين يرتادون البوفيهات أن يستمتعوا بأوقاتهم ويناقشوا موضوعاتهم الخصوصية وحواراتهم الحزبية إن شاءوا .. ويتنفسوا هواءً نقياً خالياً من الكربون والزرنيخ وآفات عوادم السيارات .. وليشربوا شاياً بالحليب أو أحمر بالبهارات والزر والهيل .. وهنيئاً مريئاً وأينما يسري يمري.. .