اتفاقية التجارة والتعرفة الدولية النابعة من الأمم المتحدة والمعروفة اختصارا باسم «جات» تمثل الركن الثالث المكمل للمثلث العولمي الدولي المحسوب على النظام العالمي الجديد الذي انتشى وطغى بعد الحرب الباردة. الضلعان الآخران لذلك المثلث يتمثلان في البنك الدولي للاستثمار وصندوق النقد الدولي.. وقد باشرت هاتان المؤسستان الدوليتان العتيدتان مهامهما بصورة رأسية طوال الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة العالمية الاشتراكية. ونال العالم العربي نصيب الأسد من روشتات هاتين المؤسستين ومعاييرهما الإلحاقية للاقتصاديات الوطنية بالاقتصاد الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة. وحتى لانتوه في تفاصيل الحديث عن الصندوق والبنك يمكن الإشارة إلى أن المهام الاستراتيجية لها تتمثل في وضع قاعدة معايير نقدية واستثمارية للبلدان التي لم تكن تدور في فلك الرأسمالية الدولية لفترة ما قبل الحرب الباردة.. وتعني هذه المعايير باختصار العبارة أيضاً تعويم النقد المحلي والانفتاح على الاستثمارات الدولية والدخول في مباراة حرة مع الكبار وما يتبعه من تخصص مؤكد في نمط الإنتاج.. أي أن العالم سيتحول إلى شركة كبيرة تحدد أولوياتها وسياساتها سدنة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتنمية.. كما تسقط تبعاً لذلك كل «الأوهام» المرتبطة بالحماية والسيادة الوطنية. يأتي دور منظمة «الجات» لتكمل المثلث وتحكم إغلاقه.. ويتلخص هذا الدور في تحرير التجارة البينية بين الدول وإلغاء الحواجز الجمركية والخضوع لمنظومة متكاملة من المعايير والرقابة التجارية العالمية التي سنتها اتفاقية الجات. العالم العربي يدخل في قلب أولويات السنتين القادمتين، وستخضع تبادلاته التجارية بكامل مدخلاتها وتفاصيلها لمعايير الجات، وهذا يعني ببساطة ما يلي: إما الشروع في التكاملات الإقليمية حتى لا تسحقنا آلة التجارة الدولية الجديدة، أو البقاء في مربع الوهم القطري الأول، ونكون بذلك قد خسرنا كل إمكانية للسباحة في زمن العولمة القسرية، والقوانين الملزمة للجميع، في ظل الدولة الافتراضية/الواقعية للمؤسسات الدولية الكبرى. لكن.. وللأسف الشديد لا يبدو أننا في وارد الاستباق أو تدبير الحال قبل أن يأتي الطوفان.. لذلك سنشهد خلال السنوات القليلة القادمة نضوباً للعديد من المؤسسات المحلية العربية وانهياراً للشركات ذات الطابع الوطني.. وربما تعرضت هذه المؤسسات والشركات للبيع بأرخص المزادات كما حدث مع دول المنظومة الاشتراكية السابقة. إنه زمن الرأسمالية المعولمة الذي لا يرحم المتشرنق الواهم، ولا يتخلى عن سياسات المبادآت الاستراتيجية على كل المستويات.. وإذا ما اكتمل مثلث الصندوق والبنك واتفاقية التجارة الدولية، فإننا سنكون على المحك الأصعب.. وهذا ما سنراه قريباً وقريباً جداً.