أظهر تقرير صادر عن "مشروع التعليم والخدمات الاجتماعية لمكافحة عمل الأطفال" المعروف اختصاراً ب(آكسس مينا - اليمن) بأن اتساع دائرة الفقر والبطالة الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية وظروف التحول الاقتصادي في مقدمة الأسباب التي تقف وراء تفشي "ظاهرة عمالة الأطفال" وتسربهم من المدارس في اليمن موضحاً بأن نتائج حرب الخليج الثانية 1990م في مقدمة أسباب ازدياد معدلات الفقر والبطالة تلك. نيوزيمن وأكد التقرير المنشور حديثاً أن أكثر من مليوني طفل ممن هم في سن الدراسة غير ملتحقين بالتعليم مشيراً إلى أن عدد الأطفال العاملين بلغ أكثر من (231.655) طفلاً وطفلة للفئة العمرية (10 -14) عاماً بحسب نتائج التعداد السكاني لعام 1994م موضحاً بأن نسبة الذكور تصل (51.7%) والإناث (48.3%) وأشار التقرير إلى أن الأرقام والنسب المذكورة آنفاً قد تضاعفت عما كانت عليه حينها كما أن معدل الأطفال قد تزايد بنسبة نمو تقدر ب(3%) مؤكداً أن ما ذكر لم يشمل جميع الأطفال العاملين. وأوضح التقرير الصادر عن مشروع (آكسس - مينا اليمن) وهو قسم مستقل في جمعية الإصلاح الخيرية نتيجة لاتفاقية وقعتها مع منظمة (CHF) الأمريكية بأن قطاعي الزراعة والصيد يأخذان نصيب الأسد من عدد الأطفال العاملين حيث تبلغ نسبتهم في هذين القطاعين حوالي (92%) ينتمون إلى الريف بنسبة (96%) في حين مثل (البيع والخدمات والمهن البسيطة والحرفية بنسبة الأعمال الأكثر رواجاً في الحضر وتأخذ ما نسبته (29.6% للذكور و17.6% للإناث). وقال التقرير إن القطاع الخاص أكثر القطاعات المستخدمة للأطفال بنسبة (98.3%) حسب تعداد 1994م ويعمل فيه نحو (1.1%) من الأطفال في سن 15 سنة في الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام وهذا مخالف لما نصت عليه تشريعات الخدمة المدنية عدا من هم في سن 16 سنة لخريجي المعاهد المهنية. توصيف حالة وفي تصنيفه للظاهرة حسب الحالة العملية قال التقرير بإن (82.9%) يعملون لدى أسرهم وأن (17.1%) يعملون مع الغير وهم الأكثر عرضة للمخاطر. واستشهد التقرير المشار إليه بنتائج دراسة ميدانية أعدها نخبة من الباحثين بدعم من "المنظمة السويدية لرعاية الطفولة" حول عمالة الأطفال اليمنيين التي أكدت أن أماكن عمل الأطفال تنطوي على مخاطر كبيرة وغالباً ما تكون مضنية. الدراسة شملت عينة عشوائية من (1000طفل) أعمارهم ما بين 7- 15 سنة سجلت ارتفاعاً عالياً لمعدل الإصابة بين الأطفال حيث أكدت أن 22% من الأطفال العاملين يعانون إصابات دائمة. وحددت الدراسة أماكن عمل تحتوي مخاطر على الطفولة وهي:- مواقع البناء: إذ يرجح تعرضهم للكسور أو الإعاقة في النمو. ورش إصلاح فرامل السيارات: قد يتعرض الأطفال فيها لمخاطر مادة (اسبستوس) المسببة للسرطان. محطات البترول: التي يتعرضون فيها للبنزين كمسبب للسرطان أيضاً. الورش ومرآب السيارات والمواقع الصناعية. الشارع: ويتعرضون فيه للعنف الجسدي بأشكاله المختلفة والأمراض الناجمة عن البرد والحر والأمراض المعدية وحوادث السيارات. ويهدف مشروع (آكسس- مينا اليمن) إلى الإسهام مع كافة الجهود الحكومية والأهلية والدولية للتقليل من أسوأ أشكال عمالة الأطفال في اليمن عن طريق دعم (3000) طفل عامل أو معرض للتسرب من التعليم في محافظات (حجة, أبين, إب) من 2004-2008م. وشرح التقرير أسباب الظاهرة معتبراً الفقر والبطالة عاملين رئيسيين لتفشي ظاهرة عمل الأطفال وأن الفقر ناجم عن تدني معدلات النمو الاقتصادي وهبوط مستويات الدخل والتشغيل والاستثمار بما فيه الموجه للتعليم والصحة ورعاية الطفولة واختلال توزيع الدخول بين فئات المجتمع المختلفة. ارتفاع معدلات نمو السكان والإعالة وضعف شبكة الأمان الاجتماعي وجهود المجتمع المدني تأتي من ضمن أهم أسباب الظاهرة, فارتفاع معدل البطالة بين أولياء الأمور أحد الأسباب الرئيسية لقبولهم دخول أطفالهم سوق العمل قبل السن القانونية. وأشار التقرير إلى أن أبرز معالم عمالة الأطفال ونتائجها السلبية "انخفاض معدلات الالتحاق بالتعليم إذ لا تتجاوز نسبتهم (45%) لفئة 6-15 سنة بسبب الفقر في خدمات التعليم وارتفاع نسبة تسرب الأطفال من المدارس لأسباب اقتصادية واجتماعية وتربوية. وألمح التقرير إلى ضرورة تفادي "قصور وتناقض التشريعات ذات الصلة بعمل الأطفال وعدم تطبيق القوانين المتعلقة بوضع الطفل وظروف عمله. واشتكى التقرير من "محدودية الدراسات والمسوح الميدانية وعدم كفايتها لتشخيص الظاهرة مؤكداً أهمية بذل جهود مضاعفة وإيجاد العديد من التدابير والمعالجات العملية ومن ذلك: إعداد دراسات متعمقة لفهم الظاهرة بشكل واضح والإلمام بها من جميع الزوايا. وضع برامج واستراتيجيات بديلة لعمل الأطفال. توفير الرعاية والحماية للأطفال العاملين. إعداد اللوائح والقرارات المنظمة والمكملة والمنفذة لأحكام قانون العمل. ردع المؤسسات المستخدمة للأطفال كعاملين خارج القانون. توفير بيئة صحية وآمنة والحد من استغلال الأطفال بأي شكل كان. تفعيل برامج الأمان الاجتماعي واستهداف الأسر الفقيرة والأكثر تضرراً من عمل أطفالها. توعية المجتمع عبر الوسائط المختلفة بمخاطر عمل الأطفال. تشكيل تحالفات عريضة من الحكومة ومنظمات أصحاب العمل والعمال. جهود رسمية مثمنة ولكن غير كافية ورغم تشكيكه في قدرة الجهود الرسمية بمفردها على مواجهة الظاهرة ودعوته إلى تكاتف وتكامل الجهود الرسمية والشعبية للتخفيف منها وليس القضاء عليها إلا أن التقرير ثمن الجهود الرسمية في مواجهة الظاهرة حيث قال: واعترافاً بأهمية مواجهة هذه التحديات التي تعوق التنمية صادقت اليمن على العديد من الاتفاقات الدولية منها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1991م التي تنص المادة (32) منها على "حق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليمه، أو أن يكون ضارا بصحته أو نموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي. وتدعو المادة ذاتها إلى أن "تتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة كما يلي: (أ) تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا للالتحاق بعمل، (ب) وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه، (ج) فرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة لضمان بغية إنفاذ هذه المادة بفعالية. وما نص عليه قانون العمل اليمني رقم (5) لسنة 1995م مادة (48) التي حددت ساعات عمل الأطفال ب7ساعات يومياً و42 ساعة أسبوعياً وأن لا يجبر الأطفال على العمل وأن يعطى استراحة ساعة واحدة من ساعات العمل اليومية تلك. وتحظر المادة نفسها عمل الأطفال ليلاً أو خلال العطل والإجازات الرسمية ما لم تسمح وزارة العمل. كما تحظر المادة (49) تشغيل الأطفال دون إذن والديهم أو أولياء أمورهم ويجب تسجيل الموافقة لدى مكتب العمل ويغرم أرباب العمل من 1000 إلى 10.000 ريال عند خرقهم للقانون حسب المادة (52). وقال التقرير إن الدولة بذلت جهوداً كبيرة لمواجهة الظاهرة على المستوى التشريعي والتوعوي ومن ذلك إقرار الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل للحد من الظاهرة للفترة من 2001 -2003م. أصبحت اليمن عضواً في التحالف الدولي لمكافحة الظاهرة بتوقيعها على مذكرة التفاهم حولها. نفذت وزارة العمل والتدريب المهني عدداً من الندوات وورش العمل وسلطت الضوء على الظاهرة فحددت بذلك واقع المشكلة. شركاء المشروع يمول البرنامج من قبل وزارة العمل الأمريكية وينفذ عبر منظمة (CHF) الدولية وهي منظمة أمريكية غير حكومية ومقرها واشنطن تعنى بتنفيذ العديد من المشاريع المتعلقة بالإغاثة الطارئة والمشروعات الصغيرة وإعادة البناء المجتمعية. جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية وهي جمعية أهلية يمنية تأسست عام 1990م وتمثل نموذجاً فعالاً لتعزيز التنمية المستدامة اقتصادياً واجتماعياً عبر برامج الإعانة والتنمية والمساعدة في الطوارئ وتشمل برامج الجمعية قطاعات التنمية المستدامة رعاية الأيتام التعليم الأسرة الانعاش الاجتماعي السكان تأمين الغذاء مواجهة الفقر صحة البيئة والعمل مع مجموعات محددة كالفقراء والنساء والأطفال, واللاجئين, والمعاقين, والمسنين. تمارس الجمعية نشاطها من خلال (22 فرعاً) في جميع أنحاء اليمن من ضمنها 236 لجنة وشبكة واسعة من المتطوعين من الجنسين تزيد عن (12000) يتم تنفيذ مبادرة التعليم في اليمن ولبنان. تهدف مبادرة التعليم التي تدعمها وزارة العمل الأمريكية إلى توفير بدائل تعليمية وخدمات اجتماعية للأطفال العاملين بما يؤدي إلى إعادتهم إلى التعليم النظامي وغير النظامي. نشأ مشروع (آكسس- مينا) نتيجة بموجب اتفاقية وقعتها (جمعية الإصلاح) مع منظمة (CHF) تنفذ بموجبه الجمعية المشروع في اليمن تحت إشراف (CHF) وكلمة (آكسس- مينا) تعني: (بدائل مكافحة عمل الأطفال عبر التعليم والخدمات المستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) يستهدف المشروع إعادة (2000 طفل) عامل ومتسرب من التعليم النظامي. إلحاق (500 طفل) من ذوي صعوبات التعليم في برامج التعليم العلاجي. إلحاق (300) طفل عامل أعمارهم بين 14-16 سنة ببرامج التعليم الفني. إلحاق (200) طفلة عاملة أعمارهن بين 14-16 سنة ببرامج محو الأمية. دعم (2465) طفلاً وطفلة معرضين للتسرب من التعليم بسبب الفقر بمستلزمات الدراسة. وينفذ المشروع من خلال عدد من الأنشطة يأتي تحسين نوعية التعليم في المدارس المستهدفة في مقدمتها حيث تم تدريب (180) أختصاصياً اجتماعياً وإدارياً وكذا تدريب (22) معلماً في مجال التعليم العلاجي وتجهيز (20 فصلاً دراسياً) لذوي صعوبات التعليم والذين بلغوا (529). تزويد المدارس المستهدفة بجهاز كمبيوتر لكل مدرسة وخط هاتف واشتراك إنترنت لاستخدامها في غرف المصادر الخاصة بالتعليم العلاجي. كما زودت المدارس بالقرطاسية وجهاز (بروجكتر) للشفافيات. وجد المشروع أن نقص البنى التحتية يؤدي إلى التسرب منها لذا نفذ المشروع إصلاحات للبنى التحتية والوسائل التعليمية في ست مدارس. قام تسعون متطوعاً ومتطوعة بالبحث الميداني عن الأطفال العاملين وتعبئة استمارات بحث اجتماعي خاصة بهم وأخذ صور فوتوغرافية لهم ومقابلة أولياء أمورهم وتوعيتهم بخطورة ترك أطفالهم التعليم حيث تكفل المشروع بالرسوم والزي المدرسي والأحذية والحقائب بمحتوياتها. أعاد المشروع (1580) طفلاً وطفلة في عمر (7 -13 سنة) إلى مدارسهم. تم الحاق 102 طفل وطفلة فوق ال14 عاماً بالتعليم المهني (ميكانيكا, خراطة, كمبيوتر, حياكة, خياط وتطريز) كما أعيدت 206 فتيات ببرنامج محو الأمية الوظيفي. دخل المشروع في حوار مباشر مع وزارة التربية لإلغاء الرسوم عن الأطفال المنتمين لأسر فقيرة وهناك محاولات لاستصدار قوانين بذلك.