بحلول منتصف يونيو تتحول سقطرى إلى » دلمون « فيما يشبه العزلة المحفوفة بالمخاطر التي تطوق شواطئ الأرخبيل مدى أربعة أشهر بأمواج هائجة ومضطربة مصحوبة برياح شديدة في طفرة تغير حادة بالطقس تسودها سنوياً وتجعل من هذه الجزيرة العذراء نموذجاً لعالم منسي. بدءاً من يوم أمس ال15 من يونيو من كل عام يكون من العسير على السفن الوصول إلى شواطئ جزيرة سقطرى أو مغادرتها إذ تعزل الجزيرة عن العالم باستثناء موجات الراديو التي تربطها بالعالم الخارجي فيما تقلبات تسونامي الصغير تكون سيدة الموقف في هذه الجزيرة النائمة عند نقطة تلاقي المحيط الهندي ببحر العرب. وتخضع المنطقة لتغيرات خطيرة في الطقس ترتفع فيها سرعة الرياح بشدة لتصل أحياناً إلى 60 عقدة في الساعة فيما يكون البحر هائجاً إلى مضطرب ويصعب على السفن باستثناء العملاقة الاقتراب من المنطقة. ووفقاً لتأكيدات الخبراء في المركز الوطني للأرصاد تبدأ هذه التغيرات في منتصف يونيو وتستمر حتى سبتمبر ثم تقل تدريجياً لتنتهي في أكتوبر ويكون ارتفاع الموج بالقرب من الشواطئ في أعلى مستوياته. حوادث مفاجئة هذه التغيرات تجعل قوات خفر السواحل في خليج عدن في حال استنفار دائم لالتقاط إشارات الاستغاثة وإصدار التحذيرات للصيادين والسفن التجارية المحلية والدولية بعدم الاقتراب من نقاط الخطر القريبة من شواطئ سقطرى. وتفيد البيانات الرسمية أن العديد من السفن التجارية تعرضت للغرق خلال السنوات الماضية، وآخرها ثلاث سفن تجارية تعرضت للغرق في العام الفائت قبالة شواطئ سقطرى إحداهن بنمية وأخرى تابعة لشركة إماراتية وثالثة غربية، وجرى إنقاذ طواقمها وانتشال بعض جثث القتلى عبر قوات تابعة لخفر السواحل اليمنية وسفن تابعة للقوات الدولية تتواجد في المياه الدولية ببحر العرب. موسم الارتياح يخضع سكان الجزيرة كل عام لحياة شاقة تفرضها العزلة التي تعصف بالجزيرة وتسيطر فيها العواصف والأمطار على كل مقومات الحركة في الجزيرة، أما ركوب البحر فإنه يكون ضرباً من الخرافة. وعندها تبدو محاولات الدخول إلى الجزيرة أشبه بمغامرة جلجامش في بحثه الشاق عن »سر الخلود«. ويسمي السقطريون هذه الفترة بالارتياح، وفيها تحدث الأمواج والرياح والأمطار الغزيرة فعلاً مدمراً لدى السكان الذين يحترف معظمهم صيد الأسماك والزراعة والرعي. يقول فهد كفاين من الكوادر التربوية من أبناء الجزيرة: بعد أيام لن تستطيع القوارب والسفن الاقتراب من الساحل.. تعزل الجزيرة عن العالم 4 أشهر.. حتى حركة الطيران تقل إلى أدنى مستوى. ويلفت كفاين إلى أن الكثير من سفن الصيد والسفن التجارية توشك على الانتهاء من نقل المؤن إلى الجزيرة، وهي تكفي احتياجات السكان البالغ عددهم حوالي 70 ألف نسمة تقريباً حتى انتهاء فترة الارتياح وعلى مدى الفترة المقبلة، وحتى نهاية أكتوبر لن يتسنى للصيادين والسكان الدخول إلى البحر أو مغادرة الجزيرة. ويقول الخبراء في المركز الوطني للأرصاد الجوية: إن الفترة من يونيو حتى سبتمبر تشهد موسم رياح وتقلبات للبحر وأعاصير بحرية تعرض مرتادي البحر من سباحين وصيادين لحوادث الغرق.. ولذلك يوجهون دعواتهم للمواطنين والصيادين لتوخي الحيطة والحذر حفاظاً على حياتهم من تقلبات البحر. ويصف الخبراء في المركز التغيرات التي تحدث في الجزيرة بأنها اعتيادية.. موضحين أن التغير الحاصل في حالة الطقس اعتيادي خلال موسم الصيف ويبدأ من مايو ويستمر على مدى 4 أشهر وتصاحبه رياح شديدة تصل أحياناً إلى 60 عقدة في الساعة ويكون فيها البحر مضطرباً إلى هائج بشدة، ويصعب على السفن الصغيرة الدخول إلى البحر.. حيث تشتد الرياح من الساعة ال11 صباحاً وتستمر كذلك حتى الخامسة مساءً وذلك نتيجة لتعمق المنسوب الهندي، وهو منخفض جوي موسمي يتشكل فوق الهند ويمتد إلى جنوب الجزيرة العربية. العزلة التي تفرضها التغيرات في الطقس على جزيرة سقطرى كانت في جوانب أخرى مفيدة إذ أسهمت في الحفاظ على التنوع الحيوي والبيئي الفريد الذي تتميز به الجزيرة، حيث تضم متحفاً لأهم الموائل الطبيعية والنباتية والبحرية والبرية في العالم فضلاً عن النباتات والأشجار والكائنات الحية النادرة ما جعل علماء البيئة يعتبرون سقطرى الدليل الوحيد في العالم على الخصائص الطبيعية لحوض البحر الأبيض المتوسط المنقرض منذ 10 ملايين سنة. تنوع بيئي فريد وتكتنز الجزيرة 900 نوع من الأشجار والنباتات النادرة، منها 300 نوع لا يوجد لها مثيل في العالم، وبعضها ذو خصائص علاجية نادرة، ويعتمد عليها السكان في العلاج من أمراض كثيرة، ومنها أشجار دم الأخوين والسبرة والصبر، فضلاً عن غابات أشجار النخيل الكثيفة المنتشرة في أماكن كثيرة على ضفاف الوديان. إلى جانب الحيوانات والطيور المستوطنة النادرة التي سجل منها حوالي 190 نوعاً، منها 7 أنواع نادرة لا مثيل لها في أي مكان في العالم.. وثمة 150 نوعاً من الفراشات التي تعيش في الجزيرة، منها 80 نوعاً ليس لها مثيل في العالم. وتمثل جبال حجهر معرضاً طبيعياً مثيراً للعطريات والروائح الزكية فهي موطن شجرة اللبان أو دم الأخوين، وهي من أهم الأشجار العطرية في سقطرى، وتعتبر من النباتات النادرة التي لا يوجد مثيل لها في العالم وتستخدم في صناعة البخور وكمادة علاجية وفي الصناعات. وقد أسهم هذا التنوع الحيوي النباتي والحيواني النادر في الجزيرة في دفع الكثير من الخبراء البيئيين في العالم إلى المساهمة في إقرار برنامج الأمم المتحدة للبيئة في مؤتمر قمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1991 باعتبار جزيرة سقطرى تراثاً بيئياً دولياً يختص بتنوع بيولوجي فريد من نوعه. وفوق ذلك فإن البعض اعتبرها من أهم المحميات الطبيعية الكونية، وهي فوق ذلك تحتل المرتبة العاشرة بين أغنى جزر العالم من حيث الأنواع النباتية الفريدة وفق التصنيف العالمي.