مازالت جل الفضائيات الرسمية العربية تخضع لمحددات الخطاب الرسمي، رافضةً مكاشفة الحقائق المجتمعية، مُستطردةً على فقه الرقابة الذاتية، الأكثر قسوة من الرقابة المباشرة، الأمر الذي يسمح بالانتقاء والبحث عن تجميل الواقع، والتخلي عن الوظيفة النقدية للإعلام باعتبارها وظيفة أساسية على درب الإصلاح. الخطاب التلفزيوني العربي المحصور في محدداته من شأنه أن ينعكس على الزمن التلفزيوني، حيث نجد الأخبار البروتوكولية وقد تغوّلت على منطق الإبداع، وتمددت في المساحات التلفزيونية المتاحة، ونرى المنجزات وقد تعمْلقت وأصبحت تشكل القيمة الوحيدة في بلدان العرب التي لا تخلو كغيرها من بلدان العالم من المشاكل والتحديات. إلى ذلك تتحول بيئة المال والاستثمار الإعلامي إلى كابح حقيقي للتلفزيونات العربية الرسمية، من حيث إنها بيئة مرتبطة بالمركزية المالية لوزارات المال والأعمال، كما أنها تنطلق من ثوابت مرجعية مداها أولوية الراتب الثابت على حساب الحوافز وعوامل التشجيع للمبادرة والإبداع، وتنال الفضائيات العربية حظها العاثر من استيعاب مئات بل آلاف من العاملين غير المنتجين بالمعنى الإبداعي للكلمة، مما ينعكس سلباً على أداء تلك الفضائيات. لهذه الأسباب مجتمعة لابد من البحث عن المشاكل العامة والقواسم المشتركة لتلك الفضائيات بوصفها المنبع الأول للعديد من التفاصيل المؤثرة على إبداع الإعلام الرسمي. الشرط الجوهري للخروج من نفق التكلُّس يكمن في تحرير الإعلام الفضائي على أساس قانوني، ووفق ميثاق شرف عام يعتبر الحرية مسؤولية، والإطار المرجعي لتلك الحرية القوانين الجديدة التي تتخطّى قوانين اللاآت التي طالما كانت سيفاً مسلطاً على رقاب الإعلاميين. الإشارات الفضائية العربية ستظل متواترة تعبئ الفراغ، غير أنها لا تستطيع أن تكون مواكبة للعصر دونما عناية ببيئة المعايير، بيئة الحرية، الشفافية، القبول بالرأي الآخر، التخلص من رواسب البيروقراطية الثقيلة، والمركزية السياسية الفجة. وإذا كنا نلاحظ الآن درجة الميلان لصالح الفضائيات غير الرسمية، فإننا موعودون قريباً بما هو أخطر وأكبر، ذلك أن محركات البحث بالكومبيوتر بدأت تتوغل في عالم الترجمة النصيّة، وتقدم خيارات وبدائل لمخاطبة المشاهد العربي، حيث بدأت العديد من الفضائيات العالمية تصل إلى العالم العربي، وتؤهل مشاهداً متفاعلاً مع بيئة المعايير والأزمنة التلفزيونية الأحدث، كما أن منظومة الترجمات المرتبطة بالأعمال الدرامية العالمية بدأت تلج منعطفاً جديداً يجعل التحدي الماثل أمام الفضائيات الرسمية العربية أكبر وأكبر