لا يختلف اثنان في تشخيص الواقع الراهن بوصفه واقعاً انفتحت فيه الأبواب والنوافذ، وتحولت فيه الشفافية من خيارات مركزية موصولة بإرادات الدول إلى ضرورة موضوعية لا مفر منها، فالحاصل هو أن الذين يتأبون على هذه الضرورة سيجدون أنفسهم في حلبة سباق خاسر؛ لأنهم بكل بساطة سيتحولون إلى محاربي طواحين هواء كما كان يفعل بطل سرفانتس الافتراضي "دون كيشوت". ثقافة الصورة أصبحت تحاصرنا أينما ذهبنا، بل تحولت إلى حامل كبير للدلالات والمعاني، حيث إن أنواع العمل الإعلامي والثقافي بحاجة متزايدة إلى استخدام الصورة في سياق الخطاب الذي تتوخاه هذه المنابر الثقافية والإعلامية. في الحالة اليومية وعلى سبيل المثال لا الحصر لجأت كبريات المحطات التلفزيونية العالمية إلى استحداث وظيفة مدير التحرير الفني، بل اعتلت بمكانته على حساب إدارة التحرير التقليدية؛ لأن التحرير في مفهوم التلفزيونات المنخرطة في عالم الوسائط المتعددة لم يعد يتكئ فقط على المدخلات التقليدية، بل على المعالجات البصرية القادمة من الفوتوغراف المباشر أو تلك المعالجة عبر برامج الكومبيوتر، أو الإخراج التلفزيوني الذي يلتبس أكثر وأكثر بتلك البرامج. وبالتوازي مع الاشتغال الأساسي على متن الرسالة اليومية للتلفزيون يلعب الإعلان الترويجي دوراً متزايداً، فقد أصبح من المألوف أن يروّج التلفزيون لبرامجه، وأن يعتني تبعاً لذلك بالمدخلات البصرية المرتبطة بالصورة ومعالجاتها. وتتفاعل البرامج والمشاهد المنفردة مع الخارطة البرامجية العامة للمحطة بحثاً عن موسيقى بصرية تنساب عبر تواتر تلك البرامج وتكاملها الدلالي والشكلي، الأمر الذي يضع عبئاً ثقيلاً على التحرير الفني، خاصة إذا ما تغوّلت الإعلانات التجارية وأصبحت تخترق توازن المشاهد والبرامج. وفي كل الأحوال من المؤكد أن التحرير الفني لن يعدم الحيلة والوسيلة لإيجاد مخارج لمثل تلك الحالة، مستعيناً بالبرامج المختلفة للكومبيوتر، والخبرات المتراكمة لدى العاملين في المحطة. لقد تحول المعادل البصري في الفضائية المعاصرة إلى رافعة حقيقية للتحرير والإخراج، كما أصبحت حساسية المشاهد تجاه الصورة موازية لإيقاع العصر المترع ببانوراما الصور التعبيرية ذات الدلالات والإيحاءات الكثيرة. معالجات الصور أصبحت بدورها تشكل هاجساً مقلقاً عند القائمين على أمر التلفزيون، لأنها قد تزيف الحقيقة، أو تنزاح بها إلى أبعاد جديدة. لذلك فإن الحذر في التعامل مع تلك الصور ومعالجتها عبر البرامج من السمات التي تميز الفضائيات الجادة ذات المصداقية.