قال الله تعالى في سورة القيامة ((بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ، يسأل أيان يوم القيامة)) الآيتان «5» و«6» .. والمعنى أن الإنسان يريد المداومة على شهواته ، ومعاصيه ، ويقدم الذنب ، ويؤخر التوبة. جاء في «الكشاف عن حقائق التنزيل ، وعيون الأقاويل ، في وجوه التأويل» الجار الله الزمخشري في تفسير قوله تعالى «ليفجر أمامه» : ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات ، وفيما يستقبله من الزمان لاينزع عنه. وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه «يقدم الذنب ويؤخر التوبه ، يقول : سوف أتوب ، سوف أتوب ، حتى يأتيه الموت على شر أحواله ، وأسوأ اعماله».. وورد في «البحر المحيط» لابن حبان «إن الإنسان ، إنما يريد شهواته ومعاصيه ، يمضي فيها أبداً قدُماً راكباً رأسه ، مطيعاً أمله ، ومسوفاً بتوبته» . وارتباط الآية بمطلع السورة في قوله تعالى «لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة» ارتباط واضح ، فإن ههنا الإنسان يسوف التوبة ، ويتباطأ عنها ، ويغره الأمل حتى يموت ، فيدركه الندم ، ويقع مطرقةً للوم.. وجاء في كتاب «لمسات بيانية» للدكتور فاضل صالح السامرائي حول تفسير الآيتين : «انظر بعد ذلك كيف جاء باللام المؤكدة في مفعول الارادة» ، فقال : «بل يريد الإنسان ليفجر» ولم يقل «أن يفجر» لأن فعل الإرادة متعدٍ بنفسه ، لا باللام ، غير أنه جاء باللام للدلالة على قوة إرادة الفجور والشهوات عند الإنسان ، وشدة الرغبة فيها.. وهذه مرعاة إلى الندم البالغ ، وكثرة لوم الإنسان لنفسه ، فارتبط ذلك أحسن ارتباط بالنفس اللوامة.. ثم انظر كيف أنه لما بالغ في إرادة الفجور والرغبة فيه ، بالغ في اللوم ، فجاء بصيغة المبالغة فقال تعالى «بالنفس اللوامة» ولم يقل «بالنفس اللائمة» للدلالة على كثرة اللوم فانظر المناسبة بين المبالغة في الفجور ، والمبالغة في اللوم ، وكيف أنه لما بالغ في أحدهما بالغ في الآخر. ثم قال تعالى بعد ذلك «يسأل أيان يوم القيامة» .. وهذا سؤال إنسانٍ متعنتٍ مستبعد لقيام الساعة.. وقد جاء بأداة الاستفهام «أيان» التي تدل على شدة الاستبعاد .. وهذا المتعنت المستبعد لقيام الساعة هو الذي يقدم الفجور والمعصية ويؤخر التوبة ، وهو المذكور في هذه الآية