الإنسان هذا الحيوان الناطق كما عرَّفه المنطق الأرسطي هو عاطفي أيضاً، ولهذا لا يتجرد حين يكتب تاريخاً أو شعراً..الخ.. ولا يستطيع العلماء إخضاعه للبحث كبقية الحيوانات خاصة المواضيع الاجتماعية وماشابهها. الإنسان عاطفي له ذكرياته وحنينه ومكونات وجدانه وثقافته، وهو لا يحنُّ فقط إلى الحبيب الأول كما قال بعض الشعراء بل يحن أيضاً إلى المنزل الأول وإلى مراتع الصّبا، ولا ينسى النظرة الأولى كما لا يفارق فمه طعم القبلة الأولى. لأن الإنسان كذلك ، نجده يتذكر بالخيال، بالحواس.. ونجده في أوقات معينة يشد الرحال في رحلة إلى ماضيه، ليتذكر بالحواس والذاكرة والمكان ويشاهد نفسه قبل سنوات من العمر، في منزل تربى فيه، أو مدينة عاش فيها أو ساحة أو واد أو شارع له معه ذكريات وأيام من العمر لا تنسى ... وها أنا اليوم أفعل ذلك بمساعدة ودعوة كريمة من الزميل الصديق ابن الصديق سمير رشاد اليوسفي.. وكم أنا سعيد أن أعود وأن أعيش وإن لأيام أو شهور مع صحيفة الجمهورية الصحيفة التي اعتبرها بيتي الأول، والمنبر الذي مكنني من نشر أول ما اختطه قلمي من شعر ونثر وتحديداً في العام 1968م وأنا تلميذ في الصف الثاني من المرحلة الإعدادية بمدرسة الشعب النموذجية وهي الصحيفة التي مكنتني من إعداد صفحتها الأسبوعية المكرسة للشباب والطلبة بعنوان (صوت الطلبة) وأنا طالب بثانوية الثورة بتعز. كم أنا سعيد باستضافة كريمة، وبرحلة نحو سنوات جميلة مضت من عمري، إلى بيتي الأول الى المدينة التي هذبتني بجمالها وسحرها إلى الشارع الذي يقع فيه بيت الحبيبة ونشأ فيه الحب الأول. بهذه الرحلة إلى الماضي أريد أن أرى عباس الديلمي التلميذ الذي يحبو في ساحة القصيدة والكاتب الذي يتعلم الإمساك جيداً بالقلم.. وتغمره الفرحة حين يسمع رجع صوته من إذاعة تعز ويشعر بالزهو حين تقدمه صحيفة (الجمهورية) للناس. لقد فوجئت بمكالمة الزميل سمير والصديق ابن الصديق وعرضه عليّ كتابة عمود يومي للجمهورية، وهذا ما لم أعد أطيقه لمشاغلي، ولكني قبلت تقديراً لصداقة سمير، وحبي «للجمهورية» وعرفاني لها ورغبة في رحلة نحو البيت الأول .. ولأني أجد مكاناً شاغراً رغم مغادرتي حرم هذا المنبر الإعلامي في بداية السبعينيات من القرن الماضي. غادرت أو توقفت عن الكتابة المنتظمة للجمهورية، ورشاد اليوسفي «أبو سمير» صديقي الذي كنت أجعل من أيام الإجازة الصيفية التي أقضيها في تربة ذبحان بالحجرية مناسبة للجلوس معه وإطلاعه على ما أكتب من محاولات شعرية، وأعود إلى «الجمهورية» لأجد سميراً في استقبالي.. وهذا مايجعل الاستضافة تأخذ بعداً له معانيه. بقي أن أقول ماهو أهم من كلّ ما قلت، وهو أن عمودي سيكون بعنوان «صيد الخاطر» وهو عنوان اخترته لعمود كنت أكتبه لصحيفة الوحدة يوم كان يرأسها الزميل أحمد الحبيشي. أتعلمون لماذا اخترت هذا العنوان ؟! لأني اخترت أن أقدم للقراء ما يصطاده خاطري، وتعلمون أن الصياد أو من يخرج للصيد لا يعلم بماذا سيعود، فنجده يأتي بالغث ويأتي بالسمين كما قد يعود بخفي حنين أي بلاشيء.. وهكذا سيكون حالي وأنا أطلق خاطري ليصطاد ماأقدمه للقراءة وسأحاول الاصطياد في البر والبحر، ولنترك الأمور لظروفها وكل من يخرج للصيد لا يعلم بماذا سيعود هل سيعود بصيد سمين أم هزيل أم خالي الوفاض ، وقد تكون العودة بمكسب السلامة والنجاة غاية قصده .. ولا أعدكم بأكثر من ذلك.