الأسطورة التي مازالت تحتفظ بها مدينة «سام» هي اليوم التي تغردها وتلحنها الأوتار في تلك المفارج العالية التي تتقلدها العمارة الصنعانية بذلك النفس الذي تنفس به «سام بن نوح» بعد الطوفان حين حل ب«صنعاء» بعد أن طاف الدنيا بحثاً عن المكان الذي يجد فيه سكينته فلم يجده إلا حين رمت به الأقدار على أرض هذه الفاتنة الحضرية فنجا بنفسه حين عشقته وعشقها.. فانتسبت إليه «آزال» في اسمها ل«سام» وتمت بهذا السكون الأسطوري الذي أمد عمرها بسر لم تستطع الأجيال فك رموزه وطلاسمه منذ ذلك الزمان وحتى اليوم... مزار الروح والشعور بيوت صنعاء القديمة تحفة بل مزار للروح والشعور الإنساني بل هي للمرء الزائر النفحة المباركة التي في عبقها وانشراحها تتخلد بصفة السكون المكاني عن حالة التبرك بصفة يقصدها الكثيرون عند زيارتهم لقباب الصالحين والمزارات الدينية المنتشرة في بقاع العالم.. فتزول حين يبارح منها الانسان إلى حيث المكان الذي أتى منه لإيجاد هذه النفحات والبركات، وهنا في البيت الصنعاني يأتي هذا الدلال والتماس لنفحة السكون المكاني .. بل يزداد بدلال الملاطفة ومدلول التخاطب والتعارف الذي يبادلها أهل صنعاء مع الناس والزائرين لمدينتهم ولربما هي القاعدة التي نسجت تركيبة هذه الأسطورة حيث تأخذك البيت الصنعاني الى 250 عاماً أو أكثر لتعايش الزمان الذي عاشه «سام بن نوح» مع سكون صنعاء العميق بهذه النفحات الصنعانية وأيضاً بروح الدعابة والتخاطب بالوقار بتفخيم كلام المخاطب «أنتم ونحن» «وحالنا وحالكم» وبهذا التبادل الثقافي والمعرفي وبشاشة الترحيب الرحب والمضياف تظل صنعاء هي البلدة أو المدينة التي توصف ب«بلدة الجميع» دون غيرها من مدن البلاد وأرض الدنيا كلها. صفات وسمات البيت الصنعاني أيضاً في هذه الصفات والسمات ل«البيت الصنعاني» وخصوصاً في الأحياء القديمة لمدينة صنعاء التي داخل الأبواب والأسوار المبنية من اللبن والطين والزابور وكل شيء متصل بالعمارة الصنعانية القديمة أكانت من الياجور أم من اللبن والطين علاقة حسية بل روحية بين هذه الأسطورة وبين هذه المدينة العتيقة .. هذه العلاقة تتوطد كلما زادت التطورات العصرية تطغى على جمال وعبق «صنعاء» القديمة.. فتتوحد بتحدٍ لمواجهة هذا الطغيان، وذلك حين تتغلب هذه الأسطورة برواج عشقها وشعبيتها المتواضعة بتقديم حضارة وعبق التاريخ وبلسم السلوك الخلاق المخاطب للصغير والكبير وهنا يأتي التباين فمظاهر التوسع العمراني والتطورات العصرية والمدنية التي تعيشها وتشهدها مدينة صنعاء.. لا تجرؤ بكل مغرياتها أخذ أي شيء من هذا البلسم الذي هو موجود في «سام» ولو طال السفر وهذا لربما هو الأسطورة الحقيقية التي تحاكي بها صنعاء القديمة الساذح الأوروبي والزائر من أي مكان ليكون في رحابها لاكتشاف ذلك السحر والجمال. منتج خدمي للسياحة بدرجة ممتازة ومن هذا الرواج ل«البيت الصنعاني» يأتي عشق السائح الأوروبي ل«صنعاء» باستمرار الزيارة المتكررة والمستمرة خصوصاً وأن هناك شيئاً من التحول بعد أن دخلت اليمن تجربة صناعة المنتوج السياحي وفي هذا الاتجاه أتى هذا الوعي السياحي في استثمار البيت الصنعاني بطبيعته وفن عمارته الآخذ نزلاً بسيطاَ لإيواء السائح العربي أو الأوروبي بسياحة غير مكلفة حيث اتجه بعض من لهم باع في المجال السياحي إلى استثمار البيت الصنعاني من خلال تحويل مثل هذه البيوت التاريخية العتيقة والتي كانت في التاريخ ذات صلة بالعز والمكانة الاجتماعية إلى فنادق سياحية وأصبحت مقصداً للزائر الأوروبي لإيجاد ضالته السياحية بل صارت تنافس بشدة فنادق الخمس نجوم من خلال مستوى خدماتها التي تقدم بتكلفة رخيصة وغير مكلفة. روح وطعم الحياة التقليدية وفي هذه الثنايا هناك مؤشرات عن الخدمة السياحية التي يقدمها البيت الصنعاني القديم تشير إلى أن هذه البيوت التي تحولت إلى فنادق تتميز بتصميمها القديم اللافت للنظر من حيث أنها تأخذ السائح أو الزائر إلى «250» عاماً إلى الوراء وتعكس الحياة الحقيقية في اليمن ويعود الاتجاه إلى تحويل المباني التاريخية العتيقة في صنعاء القديمة إلى فنادق ومطاعم سياحية ظاهرة قد بدأت منذ سنوات وتأخذ في الازدياد عاماً بعد آخر بعد أن نجحت هذه الفنادق في اجتذاب أعداد متزايدة من الزوار، خاصة الأجانب، وصارت تنافس بقوة فنادق الخمس نجوم، كما توفر لزبائنها فرصة لمعايشة نمط الحياة اليمنية قبل 250 عاماً بانتشارها في أرجاء المدينة القديمة وحاراتها وأسواقها بطابعها المعماري الذي يعبق بالتاريخ والتراث، وأنت تتجول في صنعاء القديمة تلاحظ من دون جهد روح وطعم الحياة التقليدية، وأشهرها اليوم فندق داود بحارة داود، وفندق دار الذهب، وفندق السلام إلى جانب عشرات المقاهي والمطاعم التي تكتض في المساء بزوارها القادمين من أوروبا وأمريكا وهم يحتسون القهوة اليمنية ذائعة الصيت على الطريقة التقليدية وعلى أنغام الموسيقى والإيقاعات الشعبية الصنعانية. كما أن تزايد السياح الأوروبيين على الفنادق القديمة يرجع للكثير من الأسباب أهمها أسعار خدماتها المنخفضة مقارنة مع الفنادق الأخرى.. فبإمكان السائح الحصول على غرفة مستقلة بمبلغ يتراوح ما بين 20 إلى 25 دولاراً فقط لليلة واحدة فيما لا يزيد سعر الغرفة المزدوجة على 3 دولارات والجناح على 50 دولاراً للّيلة الواحدة. فنادق صنعانية عتيقة ومن هذا كله وهو الأهم هو أن فنادق صنعاء القديمة تحقق رغبة للزائر الأجنبي، خاصة الأجنبي في الاستمتاع بالعيش داخل هذه المباني القديمة التي يقدر عمرها بأكثر من 500 عام وتقدم له نمط العيش الذي ساد قبل أكثر من 250 عاماً كما توفر هذه الفنادق للسائح فرصة مواتية لمعايشة الأسرة اليمنية التقليدية والتعرف على نمط عيشها ، عاداتها وتقاليدها واستكمالاً لطابع الخدمة التقليدية العريقة ينظم بعض الفنادق أمسات موسيقية وغنائية يحييها فنانون يمنيون باستخدام الآلات الموسيقية التقليدية ويقدمون ألواناً من الغناء والموسيقى الصنعانية يستمتع بها الزوار وهم يتناولون الأطعمة الشعبية بطعمها الشهي أو يحتسون القهوة والشاي على أجواء من السحر والجاذبية.