في ظل سطوة الثقافة المستوردة، واختلاط المفاهيم بين المشروع والممنوع، دخل المجتمع المحلي في جدل، تعددت أشكاله، وتنوعت دواعيه، مع فئة الشباب وبشكل خاص ذكور هذه الفئة، لاسيما وقد أخذت هذه العينة من الشباب، في تغيير معالمها يومياً، واتخذت من الموضة مدخلاً إلى كل ماهو معروف وغير مشروع. ولأن مفهوم الموضة قد بات مطاطياً يندرج في إطارة كل فعل خارج عن العادة والتقاليد وعن الشرع والدين في بعض الأحيان، فقد حرصت «شبابيك» على تسليط الضوء على هذه المسألة، من خلال الإلتقاء بمجموعة من الشباب الذين أجابوا مشكورين على ماوجهناه إليهم من استفسارات تتعلق بهذا الشأن. الوقوع في المحظور محمود الصبري كان أول المتحدثين إلينا قال : التقليد بحد ذاته شيء غير طيب بالنسبة لشبابنا ولمجتمعنا عامة، خاصة وأن معظم التقليد يأتي لأولئك الذين نشاهدهم على التلفزيون من المغنين والمغنيات ومن الأسماء المشهورة : وكثير من تلك الوجوه ليسوا مسلمين، وهذه النقطة بالذات تمثل نقطة الخلاف. ويوضح الصبري حديثه : النجوم المشهورون من غير المسلمين يفعلون ما يحلو لهم، وفقاً لما يسمح به دينهم وتقاليدهم، وحيث يأخذ شبابنا بعض ماعندهم من لبس وزينة يقعون في المحظور، لأن بعض ذلك يندرج في إطار المكروه أو المحرم وبعضه الآخر يبدو مرفوضاً اجتماعياً، فليس كل ما يصلح للآخرين يصلح لنا! الأسرة أولاً ويتطرق مصطفى نور الدين إلى مسألة الملابس الغريبة والقصات الدخيلة ووضع الحلق والسلاسل فيقول : لا أعتقد أن مثل هذه الأمور ترضي أحداً فيه ذرة غيرة على دينه وعلى تقاليد مجتمعه، غير أنها أصبحت واقعاً نراه كل يوم في شوارعنا وحوارينا ونتعايش معه شئناً أم أبيناً. - سألناه ماهو الحل من وجهة نظرك ؟ والله الحل يمكن أن يكون أساسه الأسرة باعتبار أنها الجهة الوحيدة التي يمكن أن تلزم ابنها بالمظهر الحسن، أما فيما عدا الأسرة فلا أعتقد أن أحداً يمكن أن يمنع «الخنفوس» من «الخنفسة»، وكل من سيقول كلمة سوف يلقى ردوداً قاسية، وقد يدخل في مشاكل مع الآخرين. ليس محرماً أو ممنوعاً! ف ف أ أحد أصحاب «الشعر الطويل» .. سألناه ماهو الدافع لتطويل شعرك إلى هذا الحد المثير للإنتباه ؟ - أجاب : أنا لا أدري أنه مثير للإنتباه - كما تقولون - لكن بعض الناس لا يعجبهم العجب ؟ قلنا له : ألا ترى أنك أنت وقليل من أقرانك تتشبهون بالفتيات من خلال إطالة الشعر بصورة غريبة أعطاها المنظر الأنثوي المبالغ فيه ؟ - قبل الإجابة بدت عليه علامات الإنزعاج ثم أكد أن المسألة ليست تشبهاً ولايحزنون، وكل واحد يفعل بشعره وبنفسه ما يشاء إذا كان ما يفعله لايضر بالآخرين. - قلنا له : لا تؤذي أحداً لكنك تترك لدى الآخرين إنطباعاً غير جيد ؟ قال : المهم أنني راضٍ عن نفسي ولا أفعل شيئاً محرماً أو ممنوع قانونياً. التميز بالوشم وفضول الناس أما وليد.. الذي يهوى وضع الأوشام في أماكن متفرقة من جسده، وعلى الأطراف بشكل خاص، فقد قال : أعتقد أن المسألة فيها بحث عن التميز، حيث يريد كل واحد أن يكون صاحب شيء مميز، وهذا طبيعي بالنسبة لنا كشباب. - ولكن ألا ترى أن التميز بمثل هذه الأمور يسيء إليك ؟ أبداً.. ليس في هذا ما يعيب، لكن فضول الناس هو الذي يوجد العيوب، وألسنتهم تعمل من الحبة قبة. رضا أنثوي وتقول أماني .. وهي فتاة مخطوبة من أحد الشباب المولعين بزنقة الألبسة الضيقة والقصات الغريبة: لم أهتم كثيراً بمظهره، لكنه بشكل عام أنيق ولا أشعر بأي إحراج حين أسير إلى جانبه. - قلنا لها: ألا تلاحظين أية نظرات من قبل الآخرين تزعجك، أو تشعرين إنها تستغرب من شيء ما؟! ردت: إذا كنت أهتم بالنظر إلى الآخرين.. يمكن أشعر بالإحراج أو الانزعاج لكن هذا ليس من طبيعتي، ولاتهمني نظرات الناس وماتوحي به. لا اعتراض..! ناصر الوحيشي يقول: أنا شخصياً لا أرى سبباً لأن يطيل أحدهم شعر رأسه إلى الحد المبالغ فيه، ولايعجبني وضع السلاسل في اليدين أو على الرقبة ،وألبس باعتدال، لكن لم يحدث أبداً أن تدخلت في حياة أحد من الزملاء والأصدقاء، ولكل واحد لبس مايعجبه ومايناسبه. محاكاة الذوق .. واجبة الوالد قاسم عبدالله حنش - سألناه: ما رأيك بالشعر الطويل والقصات الغريبة وبعض الأمور الأخرى التي يظهر بها الشباب هذه الأيام؟ - أجاب: من كثرة الكلام حول هذه المسائل وتعدد الآراء بشأنها لم نعد ندري الصح من الغلط، واحترنا من هو صاحب الحق نحن أم الشباب؟ أنت ماهو رأيك؟ - أنا بطبعي لايعجبني خروج الشاب عن طبيعته، وأحب أن أرى جميع الشباب بمظهرهم المضبوط.. لابأس أن يلبسوا الموضة ويهتموا بالنظافة والشكل الجميل.. لكن بشروط أولها محاكاة الذوق العام! النصح بدل التهكم! عبدالرؤوف فضل يرى ن هناك تحاملاً على شباب هذه الأيام في مسألة اللبس والمظهر والأغاني والذوق وكل شيء.. ورد على سؤالنا بسؤال: بالله عليكم قولوا لي ما الذي يفعله الشباب ويعتبر صحيح من وجهة نظركم؟ - قلنا له: الصحيح لايمكن القول: إنه خطأ والخطأ لانستطيع أن نقول عنه صحيح؟ - قال: بصراحة لم اسمع أي شيء إيجابي تجاه الشباب وكل ما اسمعه أنهم سلبيون.. كسالى.. غير مثقفين.. سمعهم مخروب.. ذوقهم زي الزفت.. يعني باختصار: ليس فيهم أي شيء صح. - إذاً ما رأيك أنت بموضوع الملابس الغريبة والقصات العجيبة والسلاسل والوشم وغير ذلك من (الخرابيط) المماثلة؟! هناك أشياء غير جيدة ويجب أن يفهم الشباب .. لماذا هي غير جيدة وعلى الجميع أن ينصح ويربي بدلاً عن التهكم والسخرية وإظهار الجدة في كل طرح وفي كل مكان وكل زمان. حتى لاتتسع الفجوة بدورها ترى الاستاذة / أنيسة طربوش، وهي مشرفة اجتماعية في إحدى مدارس التعليم الثانوي: إن دور الأسرة هو الأساس في الحد من هذه الظواهر باعتبارها المنبع لهذا الولد أو الشاب، وبعد ذلك يأتي دور المدرسة والمربي والمشرف الاجتماعي، ووسائل الإعلام، ومنابر العلم الشرعي المعتدلة.. فمن خلال التكامل في أدوار هذه الجهات يمكن أن يقوّم سلوك الشباب، ليس من هذه الناحية فقط، بل ومن كل النواحي.. أما الأكتفاء بالنقد دونما إرشاد وتوعية .. فإن العاقبة هنا لن تكون حسنة وسيثمر كل ذلك لمزيد من التباعد والشقاق بين الشباب ومحيطهم.. فنحن نرفض ونستنكر ونقمع.. وهم سيصرون على إثبات الهوية بأي شكل.. والفجوة ستتسع يوماً بعد الآخر! ضحايا ويرى الاستاذ/ صالح باصبرين ، إن التحولات الاجتماعية والثقافية التي طرأت على المجتمع قد طالت كل شيء وكان يجب أن تطال الشباب باعتبارهم الأكثر تأثراً وتأثيراً في الأحداث. يضيف باصبرين: للأسف فقد كان التأثير الأكبر سلبياً حيث أضحى الشباب عرضة لأفكار غريبة تأتي من الأنترنت ومن الفضائيات ومن كل حدب وصوب وبالمقابل فقد ضعفت الحصانة بعد أن تراجعت الثقافة المضادة الآتية من نفس البيئة ونفس المحيط.. وللأسف أيضاً فقد ضعف دور الأسرة والمدرسة وتبدل دور الشارع إلى النقيض بحيث افتقد إلى كل الخير الذي كان فيه.. وظل الشباب وحدهم في الواجهة. الصحيح أن نقول: إن الشباب ضحايا يصارعون الأفكار الغريبة بلا سند فيما نحن نكتفي في الغالب بلومهم بدلاً من مد اليد وإظهار التعاطف. ختاماً بين الرفض والتعاطف الممزوج بالعتب راوحت استفساراتنا وردودهم لكن المسألة بقيت قائمة وبقي السؤال يجر ألف سؤال. متى يعتدل مزاج شبابنا ويتخطى معظمهم حاجز التقليد الأعمى، متى يعودون إلى الأصل ليتأنقوا بشروط بيئتهم ويتزينوا بما لاتؤاخذ عليه تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.. ومتى تجد التحفظات صدى لديهم.. ليصححوا مايحتاج إلى تصحيح.. وبالقطع فإن اسئلتنا لم تنته.. وقضاياهم لن تتوقف هنا.. وسوف يكون لنا عودة.