في اليمن السعيد لا وجود للمستحيل، فهناك حلول مبتكرة لكل مشكلة، وعلى سبيل المثال، يستخدم اليمنيون الدّراجات النارية الصينية الرخيصة كوسيلة لمكافحة الفقر وتوفير مصدر إضافي للدخل، وللتغلب على مشكلة التكدس المروري الذي يخنق الشوارع اليمنية ويحولها في ساعات الذروة إلى طوابير سيارات تنتظر فرص للهرب من الزحام الخانق المهدر للوقت والطاقة والمدمر للأعصاب. وأصبح من الصور المألوفة في شوارع المدن اليمنية الكبرى مثل العاصمة صنعاء وعدن والحديدة كثرة أعداد الدّرجات النارية التي تقدّم خدمات التوصيل السريع للرّكاب، خاصة في ساعات الذروة عندما يشتد الزحام وبإشارة يمكن لك أن تستوقف في الشارع إحدى الدّراجات وتطلب من سائقها أن يأخذك إلى وجهتك المقصودة ويخترق بك بحركات بهلوانية طوابير السيارات المتوقفة وينقذك من الزحام ويوفر عليك وقتك وطاقتك. ففي السنوات الأخيرة ومع انتشار الفقر والبطالة وتراجع فرص العمل امتهن كثير من اليمنيين قيادة الدّراجات النارية ينقلون بها الركاب من مكان إلى آخر مقابل أجرة يتقاضونها عن عملهم. وتزايدت الدّراجات النارية بشكل كبير نتيجة لعدة عوامل كما يسردها «عبده علاية» سائق دراجة لصحيفة البيان الاماراتية وهي: أن سعر الدّراجة النارية تراجع بسبب المنافسة الصينية التي أدخلت إلى البلاد أكثر من عشرة أنواع من الدراجات النارية بأسعار منافسة في الوقت الذي لا يجد الشباب فرص عمل أو أنهم يعملون لكن العوائد المحققة من عملهم تلك لا تلبي متطلبات الحياة المعيشية لهم أو من يعيلونهم مما يضطر بعضهم للعمل بأي شغل يحقق لهم عائداً مادياً يساعدهم على مواجهة التزاماتهم اليومية وتكون قيادة الدّراجة النارية الأسهل والأقرب. وحسب علاية فهناك من بين من اختاروا العمل على الدّراجات النارية، العاطل عن العمل، المدرس، والجندي، والحراس، والعاملون بالأجر اليومي وغيرهم ممن لا تتاح لهم فرص عمل أفضل أو لا يجنون من أشغالهم ما يكفيهم. السبب الآخر لتزايد العمل على الدراجات أنها مهنة سهلة ولا تتطلب مهارات عالية يمكن لأي شخص أن يقوم بها بمجرد أن يتعلم قيادتها، ولهذا أصبح البعض يطلق عليها مهنة «الكسول» إلا أن الأجرة التي يدفعها الراكب مقابل «المشوار» أقل بكثير من أجرة التاكسي، ولأن الظروف المادية لكثير من الناس في السنوات الأخيرة أصبحت قاسية إلى درجة كبيرة، فإنهم يفضلون التنقل بالدرّاجات باعتبارها الأرخص. السائق أحمد عبده وهو ينقلك بدراجته النارية يتلمس لك الطريق وسط زحام السيارات المكتظة يسرد قصة كفاحه اليومي قائلاً: «أنهيت دراسة الثانوية العامة العام الماضي ولم أتمكن من الحصول على المعدل الذي يؤهلني لدخول الجامعة فاضطررت للاقتراض واشتريت هذه الدرّاجة ب 180 ألف ريال، ومنذ شهرين ونصف استطعت أن أسدد من المديونية أكثر بقليل على 50 ألف ريال، إضافة إلى إرسال بعض المبالغ المالية من حين إلى آخر للأسرة في القرية». ويقول سليمان المجرفة ومهنته مدرس في التعليم الابتدائي: «العمل على دّراجة نارية يمكنني من الحصول على دخل إضافي يمكنني من مواجهة بعض النفقات الأسرية خاصة أن ما أتقاضاه في الشهر فقط 32 ألف ريال منها 15 ألف ريال تذهب إيجار منزل، ولا يبقى لي سوى 17 ألف، لذلك قمت بشراء هذه الدرّاجة التي أعمل عليها طيلة اليوم خلال الإجازة الصيفية وأيام الدراسة في أوقات الفراغ وأحصل على عائدٍ يومي يتراوح مابين 800 و1000 وهذا مبلغ يساعدني على الوفاء بالتزاماتي تجاه الأبناء والزوجة». وأمام التزايد الحاصل في أعداد الدراجات التي تجوب شوارع المدن حاولت السلطات غير مرة وضع حد للانتشار الكثيف لأعدادها وحظرت استخدامها في بعض المدن وخاصة في العاصمة صنعاء، لكنها ما لبثت أن تراجعت أمام الاحتجاجات المتواصلة لسائقي الدراجات وأمام قوة الحاجة للكسب وإعالة السائقين لأسرهم، لهذا لا يتردد البعض في القول: إن الدرّاجات الصينية في اليمن وسيلة من وسائل مكافحة الفقر في البلاد