لا يواجه الأطباء في شمال العراق حالات كثيرة مثل تلك التي واجهوها قبل خمسة اشهر فيما وصلت الى المستشفى طفلة في السابعة من العمر تدعى هاتاو وهي تغرق في الدماء بسبب حال النزيف الحاد الذي تعرضت له نتيجة عملية ختان خاطئ أجرتها لها إحدى القابلات في القرية. فالعائلات الكردية التي تسكن القرى وتتطبع بطبائعها غالبًا ما تقوم بإجراء عمليات الختان لبناتها في شكلسريع خوفًا من التبعات القانونية اللاحقة في حال وصول الخبر الى إحدى المنظمات النسوية الناشطة هناك، ولا يتم اكتشاف مثل هذه الممارسات إلا بعد تعرض الطفلة الى نزيف غالباً ما يكون حادًا تعجز خلطات القابلة الطبية عن إيقافه ما يضطر الأهل الى نقلها الى المستشفى. وعلى رغم تقليل الأهل من أهمية المشكلات الناتجة عن ختان البنات إلا أن الأطباء شخصوا حال هاتاو في انها تعرضت لعملية قاسية لاستئصال أجزاء من عضوها التناسلي وان هذه العملية تسببت في ترسبات نفسية قاسية على الطفلة ستظهر عليها عندما تكبر وتدرك الفارق بينها وبين قريناتها، كما أنها ستواجه صعوبات كبيرة في التكيف مع الحياة الزوجية مستقبلاً شأنها شأن بقية الفتيات اللواتي تعرضن لعمليات الختان في صغرهن. وتشير الإحصاءات الرسمية التي أجرتها «منظمة شيندروسين» الكردية الى ان 70 في المئة من الفتيات المختونات في صغرهن فضلن الطلاق بعد فشلهن في الحياة الزوجية، فضلاً عن ظهور حالات انتحار بين الشابات في سن الزواج. وتؤكد بغرين عثمان، رئيسة منظمة شيندروسين، ان غالبية عمليات الختان تتركز في المناطق القروية البعيدة عن المدن في كردستان، مثل كلار وكفري وسوران وجمجمال وسرجنار وتكية وزاخو. وتجرى تلك العمليات بطريقة بدائية على يد القابلات بعيدًا من الإشراف الطبي، ولا يتم نقل الفتاة التي تتعرض للختان الى المستشفى الا في حال تعرضها للنزيف الحاد لأن جميع عمليات الختان تتم بسرية تامة خوفًا من العقوبة القانونية، وهو السبب الرئيس في عدم توافر إحصاءات دقيقة في عدد الفتيات اللواتي يتعرضن للختان سنوياً في كردستان. وتضيف عثمان ان عملية الختان تتم بآلات ملوثة تعرض الفتيات الى مختلف الأمراض والبكتيريا، بعضها يكتشف في شكل متأخر، فيما غالبية الفتيات المختونات يخجلن من الحديث عن الموضوع ويخضعن الى قدرهن بسبب التقاليد والأعراف القبلية السائدة والتي تحظر على المرأة طبخ الطعام أو لمس الأشياء بعد سن البلوغ في حال لم تكن مختونة. وتبنى الاتحاد العام لنساء كردستان من جانبه مشروع قانون يمنع عمليات الختان في الإقليم. وأكدت روناك برد آغا، عضو اتحاد نساء كردستان التي تبنت المشروع وجمعت تواقيع آلاف النساء لدعمه، انها كتبت وثيقة تطالب فيها برلمان كردستان بتشريع قانون ضمن الدستور يمنع عمليات الختان للنساء التي تجرى في بعض المناطق والقرى النائية، وقالت انها جمعت 500 توقيع لنساء يؤيدن المشروع وقدمتها الى البرلمان الذي وعد بدراستها والبت فيها. وعلى رغم ان المادة 412 من قانون العقوبات الكردي تمنع ظاهرة الختان ويعاقب المخالفون بالسجن خمس سنوات، لم ينجح هذا القانون في القضاء على الظاهرة. وتقول روناك ان قانون العقوبات غير كاف لردع العائلات الكردية في القرى ودفعها الى التخلي عن قرارها بختان بناتها، إذ تتم غالبية عمليات الختان بشكل سري من دون علم الجهات المختصة وبعيدًا من الرقابة الطبية، وترى ان تشريع قانون من البرلمان الكردي سيمنح المنظمات النسوية حق التحرك بمرونة اكبر للقضاء على هذه الظاهرة التي لم تنفع معها حملات التوعية الكبرى التي أقامها الاتحاد بالتعاون مع المنظمات الدولية والنسوية الناشطة في مجال حقوق المرأة. وعن تعرض الفتيات الكرديات المهاجرات الى دول أوروبا وأميركا الى عمليات الختان في إقليم كردستان، قالت ان المنظمة لم تسجل مثل هذه الحالات وان غالبية عمليات الختان تقتصر على الفتيات في القرى البعيدة والنائية التي ما زال سكانها متمسكين بتقاليد وأعراف بعيدة من السلوك الديني والاجتماعي، وان العائلات الكردية المتمدنة تبتعد من هذه الممارسة ولا تخضع الفتيات فيها لعمليات ختان.