الأمل والطموح، جناحان حلق بهما سرب من نوارس أفكاري المهاجرة بعد أن جف بحرها، قطعت المسافات من الزمن والمدارات من الأرض فاشتد بها العطش حتى نمت مخالبه في شقوق حناجرها المتيبسة وانهارت جدران حواصلها لسد رمق الجوع حفاظاً على همس الخفقات الناعسة موتاً على سرير الاحلام، شرف لها إذًا تموت في سبيل بحثها عن الحياة من أن يلحق بها خزي التقوقع في صالة انتظار الحمَامْ واستمر مضيها قدماً وعلى اختلاف الاتجاهات إلا أن الوجهة واحدة،ومن لحظات النهاية انبثقت البداية، ومضات درية الألوان من على صفحة بحيرة الوعي السياحي جذبت إليها جماعات السرب بعد أن توسعت حلقات الفراغ بين مفرداتها ليلتم شملها عند ذات البؤرة في الفضاء بدت كلؤلؤة تدلت على نحر الزوال لتصوغ من نهاية شفَقِه أول سناً للشروق سرعان ما أنشبته في كبد الموت لينزف بكل ما التهمه من حياتها وحياة الآخرين،ثم انسلت صوب هذه البحيرة وأرواحها تسابق أجسادها لترسم أول قبلة للحياة على جبين العذب الفرات. فهاكم كأساً تعدها النوارس دواءً للنفوس الصادية من الفن وجلاءً للأفكار المصابة بفوبيا الرُّقي والتجديد. ويا أحفاد الملأ الذين مابخلوا بمساندة ملكتهم بلقيس بالمشورة لقد وهب الرَّب وطننا خامةً تشجع بل وتُحتم علينا أن نرفع القواعد لصناعة السياحة وأن نعمل في استدراك أنفسنا قبل أن نصبح عباباً لسيل عرمٍ كمن سبقنا، نحن كما نريد ولابد أن ندرك ماهيتنا ونتيقن بذواتنا ونؤمن بقدرتنا على الخروج من المأزق والنزوح عما نحن فيه وليس من سنن الكون أو قوانين الطبيعة والفطرة الإنسانية أن تتوقف مصلحة الوطن عند فرد بعينه ونحمله بل ونوكل إليه مسألة النهوض وجلب المجد إلينا أو نعزي كل أسباب التعاسة والتردي إلى جهة معينة وزارة كانت أو مصلحة ونحن من جلبنا الشقاء لأنفسنا ولا حيلة لعطار أن يُطيب النفوس النتنة.. فلنطهر أرواحنا ونصقل نوايانا وأن نهب نحو الخير إذا أردنا أن نلقى الخير وهاهو شهر رمضان قد استوقف كل مسلم على وجه الأرض داعياً إلى تهذيب النفوس من درن الأيام وكبح الشهوات والانسلال من طوابير الشيطان وتخفيف حدة النهم بالنعيم الزائل يدعونا لأداء ركن من أركان الإسلام وفيه صحة للنفوس حيث قال «صلى الله عليه وسلم» «صوموا تصحوا» وبغض النظر عما ذهبت إليه الأبحاث والدراسات بما للصوم من فوائد تتعلق بالأبدان فإن صحة الأبدان لن تكون إطلاقاً إلا إذا صحت النفوس والأرواح. ويقول «صلى الله عليه وسلم» «سياحة أمتي الصوم» «وماينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحى» فمن قول المصطفى «صلى الله عليه وسلم» سياحة أمتي الصوم يمكننا أن نستشف كل ما أمكن ومايمكن أن يقوله المختصون ومن أسهبوا في كتاباتهم حول في السياحة وأخلاقياتها ومبادئها وقواعدها وتعريفها..الخ. حيث نجد أن مايبطل الصوم يبطل السياحة في كثير من الأحيان ومن يقول حتى الأكل والشرب» نعم إذا كان ذلك بخلاف القواعد المرسومة وبما تقتضيه ذوقيات السياحة كفن حيث إن فشل الطريقة أو الأسلوب يؤدي إلى عدم تحقيق الهدف. وكما أن الصوم بمثابة رحلة للنفوس تتجاوز حدود السماء الدنيا فيشترك فيها المسلمين كفوج سياحي واحد تجمعهم غبطة الفوز بالجنة ونعيمها والنجاة من النار والدنيا هينة في أبصارهم أمام عظمة المبتغى. ومن سياحة الصوم يجب علينا أن نستوعب الأخلاقيات ونتقن مهارات التعامل مع أنفسنا والآخرين وأن نتشرب بالمبادئ بحيث لا نجعلها عرضة للموسمية وطغيان الركود وبسياحة الصوم ومقتضياتها يجب أن نسترشد ونهتدي ونتعاطى مع أنواع السياحة الأخرى ومن أراد أن يختبر مدى سلامة رحلته الرمضانية من كل عام فإن حقول السياحة الأخرى هي معيار تعكس مستوى كل فرد والقدر الذي يقدمه للسياحة كصناعة بمجملها هو قدر استفادته من دروس الصوم وماأصابه من حكمته فلنحرص أن يكون شهرنا مباركًا حتى نكون بخير على مدار الأعوام.