في حين نحن البشر نعتبر أن العيد هو أحد أجمل أيامنا ومناسبة سنوية للحب والمودة والتقارب والفرح والترويح عن النفس، فإن هذا اليوم يعد من أسوأ أيام الأغنام والكباش على الإطلاق، ففي هذا اليوم ترتكب المذابح الواسعة ضدها وتهرق دماؤها في كل البيوت والزوايا وييتَّم صغارها وترمل إناثها وينتشر الرعب والحزن بين صفوفها وتكسر أعناقها وعظامها وتكثر السكاكين على رقابها ولحمها. وبينما ننتظر نحن بني الانسان يوم العيد بفارغ الصبر لنتذوق طعم اللحم الطازج المذبوح في منازلنا ونشتم رائحة الدم المسكوب تحت أقدامنا ترجو الاضاحي بغير أمل ألا يأتي هذا اليوم أبداً لتنعم بطول الحياة ورغد العيش والتلاقي مع الأحباب والاصحاب. وكم هو مؤلم للنفس مشاهدة الملايين من الاغنام والكباش وهي تهجر قسراً من مرابعها التي ترعرعت فيها وتساق إلى هلاكها عنوة وهي عاجزة عن الفعل أوالرفض ودون أن يسمح لها بلحظات وداع لرفقائها أو أن تتاح لها فرصة لتلبية رغباتها أو طلباتها الأخيرة قبل نفاذ حكم الذبح بحقها. ولا أدري بأي قلب يقوم الرعاة للاغنام ببيع مواشيهم ببضع آلاف من الريالات دون أن تطرف لهم جفن عين وهم يعلمون يقيناً أن الذبح هو مصير من قضوا الاشهر والسنين في إعالتهم والسهر على راحتهم والحفاظ على حياتهم. وكيف يتسنى لنا نحن البشر أن نأكل لحم من كان ينبض بالحياة ويملأها براءة وبهجة ويرتع بين فيافيها دون أن ترتجف فرائصنا أو تؤنبنا ضمائرنا،وكيف لنا أن نملي جوفنا ونتلذذ بطعم من أرقنا دمه وفرقنا جماعته دون أن يسبب لنا أي أذى أو سوء. يبدو أن ماتقدم أعلاه من الحديث عن المواشي وأحوالها لايتعدى أن يكون مجرد مثاليات في عالم لايقبل إلا بالمناقضات، الأبيض والاسود، القوي والضعيف، الآكل والمأكول، ولعل عزاءنا الذي يخفف من وطأة مأساة الاغنام والكباش في هذه الدنيا هو أنها كائنات غير عاقلة ولاتفكر بمستقبلها،والأهم من ذلك هو أني حالياً أعد العدة لحضور عزيمة العيد الدسمة المفعمة باللحوم المشوية اللذيذة..مم.. مم ،وعيد مبارك وكل عام وأنتم بخير.