فتحت «الأصمعيات » أتنقل على أجنحتها في جنبات البادية، ألفيته على باب خيمته.. يرقب الأفق البعيد بعيني صقر سلمت.. فرد التحية ببشاشة بادرته بالسؤال : إني أبحث عنك.. أنت شاعر البيت الذي يهزني، ويثير إعجابي، كلما رددته منذ أمد بعيد ؟ إنا إذا حطمة «1» حتت لنا ورقاً نمارس العود حتى ينبت الورق أنت ذو الخرق الطهوي ؟ رحب بي، ثم أجاب : أجل، أنا خليفة بن حمل، وقد حملت اللقب الذي ذكرت ببيت من أبياتي، وردت فيه لفظة : الخرق. شعرنا عجيب.. تهبك كلمة منه نصف وجودك قلت : أعرف أنك من فرسان قومك قال : ولاتكتمل الفروسية عندنا إلا بالشعر البيت الذي تحفظه صورتي أنا، وصورة أمثالي إننا ننتزع حياتنا انتزاعاً من براثن هذه الفيافي ولابد أن نضيف إلى كبريائنا الكثير من الصبر والاحتمال وأطرق قليلاً، ثم أردف: لقد جاءتني زوجتي يوماً، وقد أطبق الجدب، وضاق العيش. تتبرم وتشكو، فكان جوابي أبياتاً أربعة أو جزت فيها قصة الصراع بيننا وبين هذه الرمال التي ثبتنا أقدامنا عليها، ومددنا جذورنا فيها. قلت : إني أحفظ الأبيات، وأرويها، كلما ضمني ورفاقي محفل أو سمر. إنها - في رأيي - وقفة رجولة، وخلاصة رجل. ولكني أحب أن أسمعك تنشدها بصوتك عادت عيناه إلى الأفق البعيد.. غاب عني في عالم خفي مهيب.. ثم انطلق ينشد بصوت متهدج ..