قال الله تعالى في سورة التوبة الآية «15» ( ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم» وفي نفس السورة والآْية «27» قال تعالى ( ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم» فقد ختم الأولى بقوله «والله عليم حكيم» والثانية بقوله «والله غفور رحيم» فماوجه تعقيب الآيتين بذلك مع تساويهما في المقصود؟! جاء في كتاب ملاك التأويل لأبي جعفر الغرناطي في الجزء الثاني توضيح لذلك ومن نورد قوله: ووجه ذلك والله أعلم أن الآية الأولى أعقب بها ماتقدمها متصلاً من الآي في كفار مكة وفعلهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في التضييق والإخراج..فأمر تعالى بقتالهم ووعد بتعذيبهم وخزيهم والنصر عليهم وشفاء صدور من آمن..قال الله سبحانه في الآية «14» من سورة التوبة «قاتلوهم يعذبهم بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين» ثم قال بعدها:« ويتوب الله على من يشاء» أي: من أسلم منهم بعدما صدر من اجتهاده في الإذاية والصد عن سبيل الله ثم قال:« والله عليم حكيم» أي : بما في القتال أو طي ماجرى من ذلك كله بتقديره السابق أولاً..ومافي ذلك من الحكمة. ü ويتابع الدكتور/فاضل صالح السامرائي توضيح ذلك في كتابه «التعبير القرآني» بقوله:«وأما الآية الثانية فسببها والله أعلم ماجرى يوم «معركة حنين» من تولي الناس مدبرين حين ابتلوا بإعجابهم بكثرتهم فلم تغن عنهم شيئاً ولم يثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم أحد، إذ لم يبرح عليه الصلاة والسلام من مكانه فلم يثبت معه إلاَّ القليل..فختمت هذه الآية بقوله سبحانه: «والله غفور رحيم» تأنيساً لمن فرَّ من المسلمين في ذلك اليوم، وبشارة لهم بتوبة الله عليهم، وأن ماوقع منهم من الفرار مغفور لهم رحمةً من الله، فجاء كل من هذا الباب على مايناسب ويلائم، ولايلائم خلافه». ü ومن ذلك قوله تعالى في سورة هود الآية «22» «لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون» وقوله سبحانه في سورة النحل الآية «109» « لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون». وسر هذا الاختلاف أن آية هود فيمن صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم وضوعف لهم العذاب،وأية النحل فيمن صدَّ هو ولم يصدّ غيره،فكان الأولون أخسر من الآخرين، فجيء لهم باسم التفصيل قال تعالى في سورة هود:«الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون üأولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وماكان لهم من دون الله من أولياء،يضاعف لهم العذاب، ماكانوا يستطيعون السمع وماكانوا يبصرونüأولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ماكانهوا يفترونüلاجرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون». وقال في سورة النحل:«ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لايهدي القوم الكافرينüأولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلونü لاجرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون». جاء في كتاب «البرهان في متشابه القرآن لمافيه من الحجة والبيان»لمحمد بن حمزة الكرماني أن قوله تعالى في سورة هود:«هم الأخسرون»لأن هؤلاء صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم فضلَّوا فهم الأخسرون،يضاعف لهم العذاب،وفي «سورة النحل» «صدّوا فهم الخاسرون».