ضحى السبت المنصرم،بمدينة تعز وعلى وجه الدقة بقاعة 22مايو جامعة تعز كان يوماً بهيجاً حقاً..يوماً للحب والغناء والنكات.. كان يوماً حافلاً بذكريات شاعر اليمن الكبير شاعر الحب والوطن، والغناء المرحوم: عبدالله عبدالوهاب نعمان..كان يوماً استعاد فيه جمهور الحضور شريط ذكرياتهم لأروع قصائد الفضول وأرق ألحان الفنان أيوب طارش العبسي.. تجدر الإشارة هنا إلى أنه قد كان على رأس الحضور الأستاذ الشاعر حسن أحمد اللوزي وراعي مهرجان الفضول الأستاذ صادق أمين أبورأس محافظ محافظة تعز..والعديد من الأدباء والأديبات والشعراء،والجمهور الذي ملأ قاعة الاحتفال ،وكل جوانب المكان. وبعد:ومادمنا بهذه المناسبة نتحدث عن هذا الشاعر والفنان والصحفي الساخر،وقبل كل ذلك المناضل الذي استشهد والده في سبيل الحرية..أقول ما دمنا نتحدث عن جوانب حياته المفعمة بالعطاء والبذل ،فلابد لنا أن نتطرق إلى خلفية هذه القامة الأدبية التي تجمعت فيها حملة من المواهب والقدرات..فالأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان لم يأت من فراغ ،وإنما كان نتاج بيئة متنورة شهدتها منطقة «ذبحان» بالحجرية في منتصف ثلاثينيات القرن المنصرم، عقب عودة الاستاذ أحمد محمد نعمان من مدينة «زبيد» وإقامته لتلك المدرسة التي كانت «معلامة» ثم تحولت فيما بعد إلى مايشبه المجمع التعليمي والثقافي.. وعلى حد علمي أن الكثيرين يعرفون عن نشأة وتكوين هذه المدرسة ولكن وللمزيد في التوضيح:فإن هذه «المعلامة» التي بناها والد الأستاذ/نعمان لنجله عقب تخرجه من «زبيد» كان الأستاذ نعمان أخ اسمه علي محمد نعمان تعرف على أستاذ جامعي من أبناء الأحكوم واسمه أحمد محمد حيدره ،قدم من مدينة عدن ويقال إنه قد درس بالسودان،«وعلى فكرة لقد تعرفت عليه في أواخر الستينيات في مدينة تعز في جمعية بني غازي الخيرية» هذا الاستاذ كان عالماً بعلوم كثيرة،من الرياضيات إلى الجغرافيا،إلى الفلسفة إلى آخره،وليس هذا وحسب وإنما إلى العزف على العود والغناء وعلم النوتة. فلما وصل إلى« ذبحان» وألحق بهذه «المعلامة» أحدث بها تغييرات شتى وبدأ التلاميذ يأخذون حصصاً للعلوم الحديثة،وعندما اكتشف الأستاذ أن حيدرة هذا يعزف على العود همّ بطرده، من المدرسة إلا أن أخاه علي أصر على بقائه..ويوماً إثر يوم حتى تحولت «المعلامة» إلى مدرسة وحسب،وإنما إلى مجمع يضم في جنباته كل مصادر العلم والمعرفة فإلى جانب الدروس الحديثة للطلاب،كانت بالمجمع مكتبة تحتوي على أحدث الكتب ..ففي مذكرات الأستاذ النعمان يقول بهذا الصدد بما معناه: وقع في يدي بعض الكتب التي جلبها معه الأستاذ حيدرة كتاب طبائع الاستبداد لعبدالرحمن الكواكبي ثم كتاب هدي الرسول لمحمد أبوزيد .فإذا بنا تنتقل بتفكيرنا إلى السياسة وطبيعة المستند الذي يريد أن يضع قدمه على أفواه الملايين. واصلت المدرسة نشاطها اليومي إلى أن تناقل الناس أخبار أنشطة المدرسة وقيام الأستاذ حيدرة بتلقينهم النشيد الوطني الذي لحنه عزفاً ،على العود الأستاذ/حيدرة عندئذ بلغ الأمر إلى «عامل المنطقة» ثم أبلغ نائب الإمام الأمير علي الوزير حاكم تعز فصدرت التوجيهات باعتقال حيدرة ونفيه إلى خارج المنطقة فغادر حيدرة منطقة ذبحان وترك وراءه مكتبة ثمينة بالكتب وأمهات الكتب،بعد مرور فترة أعدنا الأستاذ/حيدرة لعمله فحشدنا الطلاب وأطلقنا لهم الحرية،.فأخذت مدرسة الحجرية هذه تشتهر إلى أن قام الأمير القاسم بن الإمام يحيى حميد الدين بزيارة للحجرية ،ومعه أمير تعز علي الوزير سنة 1935م فقال إن ذبحان هذه ستتحول «كلبنان» فذهب لمقابلة الإمام الذي أمر بسحب الأستاذ حيدرة فاخرجوه فوراً،وجاءوا بمعلمين آخرين إلى المدرسة ..عندئذ سحبت نفسها وذهبت إلى لحج كانت تلك فقرات من مذكرات الأستاذ النعمان وما أريد أن أصل إليه بهذه المناسبة التي أتاحت لنا فرصة للحديث عن هذا العلم من أعلام بلادي،هذا الإنسان الذي أخذ طيلة أيام حياته بنبذ الحقد والكره ويحب الجميع ويتغنى بالحب والثورة والجمال ،فأقول إنه لم يأت من خواء وإنما جاء من خلفية وبيئة متطلعة بشغف وقوة للجديد الأصلح والأبقى . وهكذا عزيزي القارئ ترى كيف أن المعلم الجاد والصادق ،كما قال فيه شوقي كاد المعلم أن يكون رسولاً. فلقد كانت مدرسة ذبحان،شعلة أضاءت موجات الظلام بتلك المنطقة النائية من البلاد،وما عبدالله عبدالوهاب مع العديد من العلماء والأدباء والمثقفين من أبناء المنطقة وهم كثر إلا التاج الطبيعي لذلك المجتمع الثقافي والتعليمي الذي تمثل بتلك المدرسة التي رفدها الأستاذ حيدرة بمكتبته الزاخرة بالكتب القيّمة وبما ادخره من التحصيل العلمي الحديث،الرحمة والغفران لعبدالله عبدالوهاب نعمان الذي أسهم في تشكيل الوجدان اليمني الحديث وهذب نفوس الكثيرين بأغانيه الشجية ،العذبة والراقية،وعودة لمستهل حديثي في أن البهجة لم تكن ليوم واحد فقط وإنما امتدت لثلاثة أيام على التوالي لاستعادة ذكريات الفضول وقصائده الهادفة والممتعة..