قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دبَّ إليكم داء الأمم من قبلكم.. الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين». أيها المسلم الكريم: أنت حينما يطول شعرك، وتتشعث لحيتك ويتراكم غبار الحياة عليك، تذهب إلى الحلاق ليقص شعرك بموساه، ويزين وجهك بأدواته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا في هذا الحديث الشريف عن َموْسى أخرى، تحلق الدين، وتجرد الإنسان من الإيمان، وتجعله عارياً من المروءة، خالياً من الإنسانية، بعيداً عن كل مظاهر الشرف والكرامة.. هذه الموسى هي التي تقطع ما بينك وبين صديقك من صلات قديمة وأواصر قوية، وهي تباعد بينك وبين زميلك لعدواة قديمة، أو خصومة منسية، وهي التي تملأ قلبك بالحقد على أخيك إذا برع في أمر أو نجح في مشروع، وهي أن يعتدي على الناس بغير حق، ويسلب ديارهم وأموالهم بدون سبب، لأن في هذا إرضاءً لداءٍ في نفسه، ومرض في قلبه، وذلك المرض هو الحسد- أعاذنا الله منه. فالحسد هو الموسى التي تحلق الإيمان، وهو من الرذائل النفسية التي تؤدي بصاحبها إلى الخزي في الدنيا، والهلاك في الآخرة.. وقد عرفه العلماء: بأنه تمني زوال النعمة عن الغير، فإذا نظر الحاسد إلى رجلٍ أنعم الله عليه بوفرة المال وسعة الرزق، غلت في قلبه مراجل الغيظ، واشتعلت في نفسه جذوة الحقد، وودّ لو تذهب أمواله كما ذهبت أموال قارون، أو تبلى دياره كما بليت جنة «عاد»، حتى تهدأ نفسه المريضة، ويستريح فؤاده المكلوم. ولذلك، فالحاسد ضعيف يعادي الأقوياء، ومريض ينازل الأصحاء، وفقير يحسد الأغنياء، ولا ينال من المجالس إلا مذمة وذلاً.. ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضاً، ولا ينال يوم القيامة إلا فضيحة ونكالاً. فاصبر على غيظ الحسود فناره ترمي حشاه بالعذاب الخالد أو مارأيت النار تأكل نفسها حتى تعود إلى الرمادِ الخامدِ والحسد أول معصية عُصي الله بها في السماء حينما حسد إبليس اللعين آدم عليه السلام على منزلته من ربه، وأمره الله بالسجود لآدم فقال في الآية 12 من سورة الأعراف: «قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين» وقد جره ذلك إلى الكبر على الله تعالى وعصيانه أمره، فكان الحسد أول ذنبٍ عصي الله به في السماء. كما أن الحسد أول ذنبٍ عُصي الله به في الأرض، وذلك حينما حسد قابيل أخاه هابيل على زوجته الجميلة، وأراد انتزاعها منه بتأثير حسده له، حتى أدى به ذلك في النهاية إلى قتله، فكان حسد أحدهما للآخر سبباً في أو جريمة تقع على الأرض، مات فيها ربع العالم، ولم يكن في العالم يومها إلا قابيل وهابيل، وآدم وحواء، وتخضبت بسببها الأرض بالدماء، من أجل هذا كان الحسد جريمة، حثت الشرائع كلها على تجنبها، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا». وعن ابن عمر رضي الله عنهما: «صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: «يامعشر من أمن بلسانه، ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع عورته فضحه الله ولو في جوف بيته... أو قال: رحله».