ثقافة الزواج المفقودة في مجتمعنا هي العائق الوحيد في عدم تحقيق السعادة الزوجية ، سوء الانتقاء لرفيق الدرب يقف دون الحيلولة في تعزيز الزواج وديمومته ، يعتقد الزوجان أن الزواج أشبه بالوظيفة الرسمية فدور الزوجة هو الإنجاب ورعاية الأطفال والمنزل بينما يعتقد الرجل أن وظيفته في الزواج تولي أعباء الإنفاق ورعاية الأسرة بصورة تقليدية وهذا هو المطب الحقيقي الذي يقود لنهاية مأساوية. الزواج هو الاستقرار بكل نواحيه النفسية والعاطفية والروحية والفكرية ، علاقة قائمة على التودد والشعور بالألفة النفسية ، علاقة عاطفية تنبع من إحساس الشريك بالغربة بعيداً عن شريكه الآخر، فتقوم على معرفة كل طرف باهتمامات الطرف الآخر ما يحب وما يكره والمواقف التي أثرت في طريقة تفكيره وسلوكه واكتشاف مواطن القوة والضعف في شريك حياته. بعد انقضاء الشهور الأولى من الزواج ويبدأ الزوجان في التعامل بعيداً عن الرسميات والكلام المعسول ، تتبخر الرومانسيات وتختفي تدريجياً وتدخل إلى حياتهما الجدية والرتابة وتبدأ المسؤولية في تحمل أعباء الحياة الزوجية ، فتحدث المفاجأة ليكتشف كل طرف أن الآخر لم يظهر على حقيقته أو على الأقل ليس هو الإنسان التي تعامل معه في الشهور الأولى ، وقد يسأل كل منهما نفسه : " هل هذا حقاً الإنسان الذي عرفته أو تمنيته قبل الزواج؟ حينها تنتهي أحلام اليقظة والآمال العريضة وتتحول إلى واقع مرّ يقتضي مواجهته للتغلب على مصاعب الحياة ، وما تلبث تلك المفاجأة أن تنقلب إلى صدمة ينشأ على أثرها الكثير من المصادمات والمشاحنات وعدم تقبل كل طرف للآخر فيحاول كل منهما التقاط نقاط الإدانة للآخر، مع هذا الوضع يصبح الحوار أمراً غير مجدٍ لتغيير الواقع وما ينبغي تغييره، ويفتح الزوجان ملفاً ساخناً من التهم والمشاجرات اليومية يقودهما إلى الشعور بالندم والحسرة ويظن كل منهما أنه كان واهماً و مخدوعاً ، و إذا كثرت نقاط الاختلاف فإن التغاضي عنها يصبح أمراً مستحيلاً ، بعد أن تم رفع كافة الحواجز وظهر كل طرف على حقيقته ، الزوجة بعنادها وعصبيتها وتسلطها ، والزوج بما يحمله من أنانية وعدم التفاهم وضعف الشخصية ، مع الصدمات المتتالية لا يستطيع الزوجان التأقلم فيخلق جو من التوتر والمشاحنات وحرب للتسلط وفرض الرأي بالقوة. تزداد المشاكل تعقيداً وتتسع الهوة بين الزوجين مما يستصعب الوصول إلى حل يحفظ استمرارية الزواج ، فالخلافات الزوجية هي القنبلة الموقوتة التي تهدد عرش الزواج وكلما ازدادت أصبحت العلاقة على حافة الانهيار ، ربما عدم استيعاب الزوجين لحجم المشكلة التي يمرون بها والتزمت بالرأي جعلت الحياة بينهما تصل لمرحلة لا تطاق بعد استنفاد كافة الوسائل الممكنة لمعالجتها دون خسائر. غياب الحلم وطول البال على تصرفات كل طرف والمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة إضافة إلى الجهل بأصول تلك العلاقة المقدسة القائمة على المودة والاحترام المتبادل وفقدان مبدأ الصراحة والوضوح والمصارحة و تقبل كل طرف للآخر بمحاسنه و عيوبه وتقديم التنازلات مقابل إيجاد السعادة جعل من الزواج مشروعاً فاشلاً ومغامرة غير مضمونة النجاح. تأملات من المفاهيم الواجب تصحيحها أن إنجاب الأطفال العنصر الأساسي لبقاء الزواج على قيد الحياة والصواب أن وجود الأطفال يؤخر حدوث الطلاق ولا يمنعه. يُقال :إن الحب يصنع المعجزات وبمثابة الوقاية التي تقي كلا الزوجين في التطلع إلى الآخرين ، ما بال هذا الحب يسقط عند أول اختبار قوي !! حيث يبدأ كبيراً ثم يصغر ويتلاشى. الزواج التقليدي في مجتمعنا اليمني لا مفر منه فهو جزء من العادات والتقاليد ، معظم الشباب لا يتعرفون على زوجاتهم إلا في ليلة الزفاف .. فهل يحق لنا أن نحكم مقدماً على مثل هذه الزيجات بالفشل ؟! الحصاد المر لسوء الاختيار أظهرته إحصائية ناتجة عن استبيان مفاده أن 88% يستعدون فقط لمظاهر ليلة الزفاف في حين يهتم 12% بمرحلة ما بعد الزفاف من حياة هادئة معتمدين في ذلك على حسن الاختيار لان تعزيز الزواج بالانتقاء الصحيح. ما يدعو للحيرة والتساؤل قبل اختيار رفيق الحياة علينا أن نقف أمام عبارتين لا نعلم أيهما هو الصواب وله الأحقية أن يكون المرجع في منهجية الاختيار ، هذان المبدآن هما: ( شريك الحياة يكملني ) أم ( شريك الحياة يشبهني ).. !! في المبدأ الأول ، النصف الآخر يختلف عنا ويكمل النقص بنا ، مع الاختلاف في الطباع والميول فيحدث تجدد شيّق في روتين الحياة الزوجية نتيجة تعدد الخيارات والاهتمامات ؛ لأن التفكير يأخذ اتجاهات متعددة بفضل تنوّع الأفكار والآراء. في المبدأ الثاني ، النصف الآخر يكون صورة طبق الأصل لنا حتى نتأقلم معه بصورة مرضية بعيداً عن الخلاف والاختلاف ، فالتجانس والتقارب في النمط السلوكي والأفكار يوفر حياة هادئة ومستقرة. فأيهما سيكون الشريك المثالي ؟!